بين مكر ترامب ودهاء نتنياهو: هل تُغامر حماس بتاريخها وتقبل بخطة التسوية؟

بين مكر ترامب ودهاء نتنياهو: هل تُغامر حماس بتاريخها وتقبل بخطة التسوية؟

✍️ بقلم: صفاء الليثي

بين مكر ترامب ودهاء نتنياهو: هل تُغامر حماس بتاريخها وتقبل بخطة التسوية؟

منذ الإعلان عن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لـ”السلام في غزة”، والمواقف تتأرجح ما بين الترحيب الحذر والرفض القاطع. الخطة، التي وُصفت بـ”غير التقليدية”، لم تكن بمعزل عن دهاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي لطالما عرف كيف يوظف أي مبادرة دولية لصالح أجندته.

 

الخطة تضمنت بنودًا تتعلق بإعادة إعمار القطاع، ضمانات دولية، وربما مستقبلًا سياسيًا لحماس… بشرط التخلي عن السلاح، وقبول التهدئة طويلة الأمد، والانخراط في تسوية نهائية.

 

لكن يبقى السؤال الأهم: هل يمكن أن تقبل حركة حماس بهذه الخطة؟ وإذا قبلت، هل يكون ذلك تضحية بتاريخها وبالمبادئ التي ضحّت من أجلها منذ التأسيس؟

حسابات القبول: ضرورة أم خيانة للمبادئ؟

 

حماس، كحركة مقاومة إسلامية تأسست عام 1987، نشأت على مبدأ تحرير الأرض، ومقاومة الاحتلال، ورفض أي حلول تُفرض بالقوة أو التنازل. لكن في الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل أنها تطوّرت سياسيًا خلال العقدين الماضيين، وأصبحت تمسك بزمام الحكم في غزة، وتتعامل مع الوسطاء والدبلوماسيين، وتدير مشهدًا بالغ التعقيد سياسيًا وإنسانيًا.

 

إذا نظرت حماس إلى الخطة من منظور براغماتي واقعي، قد تجد أن القبول بشروط معينة، مثل وقف إطلاق النار مقابل إعادة الإعمار ورفع الحصار، لا يُعد خيانة للمبادئ، بل “تكتيكًا استراتيجيًا” لحماية المدنيين واستمرار وجودها السياسي.

 

لكن ماذا عن السلاح؟ وماذا عن حق العودة؟ وماذا عن آلاف الشهداء الذين سقطوا دفاعًا عن تلك المبادئ؟ هذه الأسئلة لا يمكن الالتفاف حولها بسهولة.

الرفض الكامل: صمود أم عناد سياسي؟

على الطرف الآخر، قد ترفض حماس الخطة بالكامل،  لأنها تُفرّغ القضية من مضمونها، وتحوّل غزة إلى كيان معزول تحت وصاية دولية، وتُجرّد الحركة من سلاحها، الذي ترى فيه “صمام أمان” لردع الاحتلال.

بين مكر ترامب ودهاء نتنياهو: هل تُغامر حماس بتاريخها وتقبل بخطة التسوية؟

هذا الرفض، وإن بدا مبدئيًا وشجاعًا بنظر الكثيرين، قد يحمل معه تبعات كارثية:

استمرار الحصار على غزة.

 

تصعيد عسكري مستمر يهدد بنية القطاع التحتية.

 

تفاقم الأزمة الإنسانية.

 

فقدان الدعم الإقليمي والدولي، خاصة في ظل تحولات سياسية بالمنطقة.

 

الرفض الصلب قد يُكلف الحركة الكثير، وربما يُعزلها عن أي معادلة إقليمية قادمة، خاصة إذا تحركت أطراف فلسطينية أخرى (السلطة أو فصائل أخرى) للقبول بخطوط الحل.

بين الحلول الجزئية والموقف التفاوضي

 

السيناريو الأكثر احتمالًا – وربما الأقل تكلفة – هو أن تتبنّى حماس موقفًا تفاوضيًا مشروطًا: لا قبول كامل، ولا رفض مطلق. بل استغلال الضغط الدولي لانتزاع مكاسب سياسية وإنسانية، مقابل وقف مؤقت للأعمال القتالية، دون المساس بسلاح المقاومة أو الثوابت الوطنية.

 

هذا الموقف قد يحمي الحركة من الانقسام الداخلي، ويمنحها مرونة في التعاطي مع المستقبل، دون تقديم تنازلات تُفهم على أنها استسلام.

خطة ترامب في سطور

إعادة إعمار غزة بتمويل إقليمي ودولي، مع إشراف دولي على التنفيذ.

وقف إطلاق النار طويل الأمد بضمانات أميركية وإسرائيلية.

نزع سلاح الفصائل وعلى رأسها حماس، كشرط رئيسي لرفع الحصار.

 

توسيع دور السلطة الفلسطينية في إدارة بعض الملفات بغزة.

 

اندماج حماس في العملية السياسية ضمن إطار “تسوية نهائية” للصراع.

هل التنازل خيانة… أم ذكاء سياسي؟

السؤال الذي يشغل بال الجميع ليس فقط: “هل ستقبل حماس بالخطة؟”، بل: هل يمكن لأي فصيل فلسطيني، مهما كانت عقيدته، أن يحمي الوطن دون أن يتخلى عن بعض أوراقه؟ وهل الحفاظ على المبدأ لا يتعارض أحيانًا مع حماية الإنسان؟

 

السنوات القادمة ستُظهر إن كانت حماس قادرة على إعادة تموضعها دون أن تُفرّط بثوابتها، وإن كانت ستختار المقاومة الذكية لا الشعاراتية، في ظل عالم لا يحترم إلا من يتقن لغة التوازن.

 

وفي نهاية المطاف، يبقى القرار في يد الشعب الفلسطيني، لا في يد أي خطة أو رئيس أو طرف خارجي.