الجوار فى الشريعة الإسلامية ” جزء 4″

الدكرورى يكتب منزلة الجوار فى الشريعة الإسلامية ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

الجوار فى الشريعة الإسلامية ” جزء 4″

ونكمل الجزء الرابع مع منزلة الجوار فى الشريعة الإسلامية، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله، أي لا تحقرن أن تهدي إلى جارتها شيئا ولو أنها تهدي ما لا ينتفع به في الغالب، ويقول أبو ذر الغفارى رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك ” رواه مسلم، فكان أبو ذر رضي الله عنه إذا طبخ لحما أكثر ماءه، وأهدى إلى جيرانه، وقال إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه، ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف، ويقول مجاهد ” كنت عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وغلام له يسلخ شاة، فقال يا غلام إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهودي، حتى قال ذلك مرارا.

فقال له كم تقول هذا؟ فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يوصينا بالجار حتى ظننا أنه سيورثه” رواه أبو داود والترمذي، وإن حسن الجوار باب من أبواب الجنة، وسوؤه باب من أبواب النار، ولذا نبه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على عظم خطر إيذاء الجار، وأثره في إذهاب ثواب الأعمال الصالحة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رجل يا رسول الله، إن فلانة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها أى باللسان، فقال صلى الله عليه وسلم “هي في النار” قال يا رسول الله، فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصلاتها، وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط، والأقط هو اللبن المجفف، وهو من الشيء الزهيد، ولا تؤذي جيرانها.

فقال صلى الله عليه وسلم “هي في الجنة” رواه أحمد، فما نفع تلك المرأة كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها لأنها تؤذي جيرانها، وهذه نفعها الإحسان وعدم إيذاء الجار، وإن الناظر في واقع الناس اليوم يرى كيف أن الدنيا قد ألقت بظلالها على حياتهم، فعصفت بكثير من الأخلاق والقيم، وأنست كثيرا من الحقوق والمثل، فتباعدت القلوب، وتنافرت النفوس، حتى رأينا من عق أباه وقطع أخاه، وهجر جاره، ورأينا كذلك جارين في حي واحد، بل في بناية واحدة يتجاوران سنوات عديدة، لا يدخل أحدهم منزل جاره، ولا يتفقد أحواله خلال هذه المدة، وقد يسافر الجار أو يمرض أو يحزن أو يفرح، وجاره لم يشعر بذلك، ولم يشاركه في أفراحه وأتراحه، بل قد ترى الشقاق والنزاع محتدما بين الجيران.

والعداء ظاهرا بينهم بالقول أو الفعل، فأضيعت، وللأسف الحقوق، وقام بين الناس سوق القطيعة والعقوق إلا من رحم الله تعالى، ولا بد لتدارك ذلك من وقفة نراجع فيها أنفسنا، ونصحح فيها أحوالنا، ونعمل من خلالها على تلمس حاجات جيراننا، والإحسان إليهم، وكف الأذى عنهم، ولقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه البخارى، ضرب لنا أروع الأمثلة في كف الأذى عن الجار وحسن الجوار، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها ذات ليلة، صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرصا من شعير، فتقول السيدة عائشة رضى الله عنها فأقبلت شاة لجارنا داجنة يعني لا تجد حرجا من الدخول في البيوت، فدخلت ثم عمدت إلى القرص فأخذته، ثم أدبرت به، فبادرتها الباب.

فقال صلى الله عليه وسلم “خذي ما أدركت من قرصك، ولا تؤذى جارك في شاته” فانظروا إلى تربيته صلى الله عليه وسلم لأهل بيته, وحثه لهم على حسن التعامل مع الجار وكف الأذى عنه حتى في شاته التي تتعدى على طعام الآخرين، وإنه ليس من حسن الجوار بين الجيران أن يرد الجار على جاره الأذى بمثله، والإساءة بأختها، فقد جاء رجل إلى ابن مسعود رضي الله عنه فقال له إن لي جارا يؤذيني ويشتمني ويضيق علي فقال له ابن مسعود رضي الله عنه “إن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه” وكان الحسن البصري رحمه الله تعالى يقول “ليس حسن الجوار كف الأذى، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى” فإذا ابتليت بجار سوء يؤذيك فعليك بالصبر، فإنه مفتاح الفرج.