الدكرورى يكتب عن الإنسان والحياء ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الإنسان والحياء ” جزء 1″
جميل أن يرزق المسلم قلبا رقيقا وجلا من ربه عز وجل، يتحسس زلله وتقصيره في جنب الله سبحانه وتعالى، ويتأسى على ما فرط منه في سابق أيامه وزمانه، فذلك علامة قبول وأمارة فضل من الله عز وجل، فقد أثنى الله سبحانه على من هذا حاله فقال عز وجل فى سورة التوبة ” الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أضابهم والمقيمى الصلاة ومما رزقناهم ينفقون” وعن عقبة بن عام قال، قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال صلى الله عليه وسلم ” أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكى على خطيئتك” رواه الترمذي، ولكن يمكن أن تنقلب هذه النعمة إلى نقمة أو خطيئة أخرى، إذا لم يراعى العبد أيضا ما أمر الله عز وجل به، في حال الخوف وحال الرجاء، وحال الطاعة والمعصية أيضا، فإذا تمكن اليأس والقنوط من القلب بسبب شدة الخوف.
صار ذلك ذنبا جديدا، وإذا وقع العبد في سوء الظن بالله، أو بدأ يتقاعس عن العبادة والدعاء وانقطع رجاؤه من الله عز وجل، فليتأكد حينئذ أن الشيطان تمكن منه، ودخل إليه من باب جديد، والعاصم من جميع ذلك هو الاستقامة على الحال التي أثنى عليها الله في القرآن الكريم، وهي حال الخوف من الله، من غير أن يؤول المقام إلى حد الوسواس أو الإحباط أو الاكتئاب عن كل أمل في حياة سعيدة في الدنيا والآخرة، وهذا فضلا عن أن سعة رحمة الله ولطفه بعباده اقتضت أن لا يحاسب ابن آدم حتى يبلغ سن الاحتلام، وهو سن الخامسة عشرة، أو هو السن الذي تظهر عليه علامات البلوغ، من نبوت شعر العانة أو إنزال المني، أو الحيض للنساء، فكل ما يقع قبل هذا السن لا حساب عليه ولا عذاب، وإنما يؤاخذ به بين الناس تربية وتأديبا.
حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق” رواه أبوداود، ومن الأخلاق الحسنة التي حث عليها المصطفى صلى الله عليه وسلم خلق الحياء، فالحياء من الله والحياء من الناس فروى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” دعه فإن الحياء من الإيمان” متفق عليه، وعن عمران ابن حصين رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الحياء لا يأتي إلا بخير ” متفق عليه، فمن قوي حياؤه صان عرضه ودفن مساوءه ونشر محاسنه وكان ذكره عند الناس محمودا وعند الله مرفوعا، ومن ذهب حياؤه ذهب سروره وظهرت مساوئه.
ودُفنت محاسنه وكان عند الناس مهانا وعند الله ممقوتا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الحياء والإيمان قرنا جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر ” رواه الحاكم ، وروى البخاري من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فافعل ما شئت ” وفي رواية ” فاصنع ما شئت” وكما يستحي المسلم من الخلق فلا يكشف لهم عورة ولا يقصّر لهم في حق ولا ولا ينكر لهم معرفا فإن عليه أن يستحي من الخالق سبحانه وتعالى فلا يقصّر في طاعته ولا في شكر نعمته لما يرى من قدرة الله عليه وعلمه به فالله أحق أن يستحيا منه، ومن استحيا من الله حق الحياء حفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وذكر الموت والبلى، وترك زينة الحياة الدنيا.
وشكر نعمة الله عليه وأدرك عظمته واطلاعه عليه وإحاطته بعباده وقربها منهم وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، ثم رجع على نفسه فحاسبها على التقصير فلا يراه الله حيث نهاه ولا يفقده حيث أمره، وصور تكريم الله تعالى للإنسان كثيرة وكثيرة جدا، ومن أراد أن يعرف صور التكريم لهذا الإنسان عليه أن يرجع للقرآن العظيم، ولسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فمن صور تكريم الله تعالى للإنسان، هو خلق الله تعالى الإنسان بيديه، ومن تكريم الله تعالى للإنسان، أن الله تعالى نفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، ومن تكريم الله تعالى للإنسان، أن الله تعالى علمه، وتكريم الله تعالى للإنسان، أن الله تعالى خلق له الكون من سماوات وأرض قبل خلقه، ثم جعلها مسخرة له، ومن تكريم الله تعالى للإنسان، أن جعله الله تعالى خليفة له في الأرض.