الدكرورى يكتب عن الإنسان والحياء ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الإنسان والحياء ” جزء 2″
ونكمل الجزؤ الثاني مع الإنسان والحياء، ومن تكريم الله تعالى للإنسان، أنه حرم الاعتداء عليه وهو جنين في بطن أمه، وفرض عقوبة على عاقلة القاتل وكفارة عليه، فجعل غرة على عاقلة من قتله، وهي نصف عُشر الدية، أي ما يعادل قيمة خمسة جمال، وصيام شهرين كفارة على جنايته، وتكريم الله تعالى للإنسان، أنه حرم على الإنسان أن يقتل نفسه، لأن نفسه ليست ملكا له بل هي ملك لله تعالى، فمن قتل نفسه حرم الله تعالى عليه الجنة، وجعله في نار جهنم خالدا مخلدا فيها، وتكريم الله تعالى للإنسان، أنه حرم على الإنسان أن يدعو على نفسه لضُر مسه، وتكريم الله تعالى للإنسان، أنه أخر إقامة الحد على جان، رعاية لحق الغير، ولقد أخر النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إقامة الحد على المرأة الغامدية، بعد أن ردها.
وذلك رعاية للجنين الذي حملت به من سفاح، فالإسلام يرعى الإنسان ولو كان الحمل من حرام، لأنه صنعة الله تعالى وخلقه، والإسلام الذي عرف قيمة الإنسان، وخاصة إذا لم تقترف يده جريمة، وهذا هو الإسلام الذي قبل التائب فجعله كمن لا ذنب له، حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على من أقام عليها الحد، وتكريم الله تعالى للإنسان، أن أول ما يُقضى به بين العباد في الدماء، وأنتم تعلمون أن حقوق العباد مبنية على المشاحة، وحقوق الله تعالى مبنية على المسامحة، فيقول الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ” أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة فى الدماء” رواه البخاري ومسلم، ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ” أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة” رواه أحمد.
ومما لا شك فيه من ضيع حقوق الله تعالى، فهو لحقوق العباد أضيع، ومن يحافظ على حقوق العباد، فهو على حقوق الله تعالى أحفظ، فماذا يقول العبد لمولاه يوم القيامة إذا كان مضيعا الصلاة وهي حق الله تعالى، وكانت يده ملطخة بدماء الأبرياء؟ فإذا جمع الله تعالى الأولين والآخرين ووضع الميزان ونطقت الألسن وتكلمت الجوارح ودنت الشمس من الرؤوس بمقدار ميل، وخاض الناس بعرقهم كل على حسب عمله، وجاء المقتول آخذا رأسه بيد، والقاتل بيد أخرى، وهو يقول لربنا عز وجل يا رب سله لم قتلني؟ فما أنت قائل لربك يوم القيامة أيها القاتل؟ وكذلك فأحرص الناس على حياة دون إيمان، يسألون الله الدنيا دون الآخرة، بطرين عند النعم، قنطين عند النقَم، يعبدون الله على حرف، ويقطعون ما أمر الله به أن يُوصل ويفسدون في الأرض ولا يصلحون.
ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، وعالمهم لا يعمل بعلمه، وجاهلهم يقول على الله بلا علم، ويعبد الله على ضلال، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، ومكَروا بهذا الدين مكرا كبارا، ولا يعرفون للحق إلا العداء، وهم للباطل أعوان وأصدقاء، وما عانت المجتمعات من المحن وانتشرت فيها الإحن وتتابعت عليها الفتن إلا يوم ضاع الحياء، فارتكبت المحرمات وفعلت الرذيلة وأقصيت الفضيلة بدعوى الحضارة والتمدن، وهل ضيعت الصلاة وعطلت أحكام الدين إلا يوم قل الحياء من الله وابتعد الناس عن الدين؟ وهل تساهل الناس بصلاة الجماعة إلا يوم قل الحياء، فقال صلى الله عليه وسلم “من سمع النداء فلم يجبه فلا صلاة له إلا من عذر ” وهل وقع في المعصية ما وقع إلا يوم قل حياؤه من الله فاستهان به سبحانه حتى جعله أهون الناظرين إليه.
وهل ظهر الاختلاط بين الرجال والنساء، وانتشرت المعاكسات وعم الفساد، إلا حين كسرت المرأة حجابها ودفقت ماء حيائها وضاع من وجهها العفاف وخرجت إلى المنتزهات وتسكعت في الأسواق والطرقات، وأغرت ضعاف النفوس وعديمي الحياء والمروءة وأدمت قلوبهم فوقعوا في الجرائم والفواحش، وهل فقدت الغيرة من الرجال فسمحوا لنسائهم من مشاهدة الأفلام الماجنة والمسلسلات الخليعة والوقوع في المحرمات من اختلاط بالخدم والباعة والخروج مع السائقين والسفلة إلا حين ضاع منهم الحياء وفشا فيهم ذهاب الغيرة، فالحياء خلق من أخلاق العظماء، وهو خلق الإسلام الأول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن لكل دين خُلقا، وخُلق الإسلام الحياء” والحياء خُلق يبعث على ترك القبيح، وعدم التقصير في حق الله، ومراقبته.
وهو أن تخجل النفس من فعل كل ما يعيبها وينقص من قدرها ومروءتها، وهو من الأخلاق الرفيعة التي أمر بها الإسلام، وأقرها، ورغب فيها ، وإذا كان الأمر كذلك وجب على كل مسلم أن يتخلق بهذا الخُلق في سائر حياته، فالحياء في النعمة شكر لله عليها.