الدكرورى يكتب عن نبي الله داود عليه السلام ” جزء 10″
بقلم / محمـــد الدكـــــرورى
نبي الله داود عليه السلام ” جزء 10″
ونكمل الجزء العاشر مع نبي الله داود عليه السلام، ولهذا أظهر داود وسليمان عليهما السلام نعمة العلم على اللسان شكرا لله تعالى، ومن الدروس العلمية هو أن الناس متفاوتون في العلم والفهم، فليسوا في مرتبة واحدة، ولو بين الأب وابنه، ولا يعني هذا التفاوت انتقاص المفضول بتقدم الفاضل، فلكل فضله، وإن نقص حظه في جانب ما كمل في جانب آخر، وهنا أعطى الله تعالى سليمان عليه السلام مزيد فهمٍ في القضاء يفضل أباه عليه السلام، وفي هذه السيرة العطرة لهذا النبي الكريم دروس في السياسة، فمن تلك الدروس أهمية وجود الحكم والدولة لحكم الناس وسياسة أمورهم، فقال ابن تيمية رحمه الله “يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض.
ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس، وتقتضي طبيعة الحياة السير على نظام يُبنى على سلطة حاكمة ومجموعة بشـرية محكومة، تدين بالطاعة لتلك السلطة، وتتولى هذه السلطة رعاية تلك المجموعة بما يضمن لها العيش بأمان واستقرار، فقد استقرت حياة بني إسرائيل في عهد النبيين الكريمين داود وابنه سليمان عليهما السلام، حينما أعطاهما الله النبوة والملك, فحكما بينهم بشرع الله تعالى، ومن الدروس السياسية هوأن قوة الدولة يورث استقرار البلاد، أما إذا وهنت وصارت ضعيفة فإنه سيعيث الفساد فيها، وتنتشر الاضطرابات المتنوعة في ربوعها، وتؤول إلى الزوال والاضمحلال, وحكم داود عليه السلام حينما كان مبنيا على القوة العادلة استقرت دولته وشعب بني إسرائيل الذي حكمه, ومن الدروس السياسية هو أن العدل وصلاح الحكام من أسباب بقاء الدول.
وراحة الشعوب التي ترعاها، وقد مضت سنة الحياة على هذا، فكم بقيت دول قرونا متعددة بسبب إقامة العدل وصلاح حكامها، وكم فنيت دول كانت أشد قوة وبأسا بسبب الظلم وفساد ولاتها، ونبى الله داود عليه السلام عندما كان حاكما عدلا ونبيا صالحا استقرت مملكته ونعُم شعبه في ظل حكمه, ومن الدروس السياسية هو أن كثرة علم الحاكم بالدين، وكثرة علمه بأمور الدنيا خاصة المتعلقة بالحكم من أسباب النجاح في الحكم، وهكذا كان داود عليه السلام، ومن الدروس السياسية كذلك أهمية وجود المستشارين الصالحين، والبطانة الصالحة للحاكم المسلم، فإنها سمعه وبصره بين رعيته، يسددونه، ويعينونه، ويصلحون ما أخطأ، ويشيرون عليه بالصواب من القول والفعل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما بعث الله من نبي ولا كان بعده.
من خليفة إلا له بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالا، فمن وقي شرها فقد وقي” رواه البخاري، وهكذا كان سليمان بطانةَ خير لأبيه عليهما السلام، ومن الدروس السياسية هو أن اتباع الحاكم للهوى في حكمه من أسباب تقويض الحكم وخرابه لأن اتباع الهوى سيضله عن الصواب، ويبعده عن الحق في الفصل بين الناس، وتسيير أمور الدولة ولذلك نهى الله تعالى داود عليه السلام عنه، وبين له عاقبته وآثاره السيئة، ومن الدروس السياسية أن يكون الحاكم من أهل العبادة والقرب من الله تعالى حتى يسدده الله في حكمه، ويعمل لدينه كما يعمل لدنيا الناس ودينهم، وقد عمل داود عليه السلام بذلك فكان كثير العبادة والتوبة والأعمال الصالحة، وفي سيرة هذا النبي الكريم عِبر ودروس قضائية، منها هو أهمية القضاء.
والفصل في الخصومات في حياة الناس، وفي استقرار الدول, فإن الحياة الجماعية التي يعيشها الناس يشوبها الاختلاف والتنازع، والظلم والاعتداء على الحقوق، ولابد لهذا الافتراق من قضاء يفصل التنازع، ويعيد الحقوق إلى أهلها حتى تستمر سفينة الوئام في مخر عباب الحياة بعيدة عن هيجان أمواج الاعتداءات، والقضاة يحكمون في قضايا الناس بناء على أمرين، معرفة الأدلة والقرائن في القضية المرفوعة إليهم، وإصدار الحكم الشرعي في تلك القضية حسب ما تبين لهم من تلك البراهين، وهم مختلفون في إصابة الحق، فمنهم من يصيب السداد، ومنهم من يقاربه، ومنهم من يبعد عنه، ونبي الله داود عليه السلام أعطاه الله تعالى، قوة الفصل والمعرفة في الحكم في القضايا، وكذلك أعطى ابنه سليمان عليها السلام.