عاجل:سيناريوهات الملف النووي الإيراني.. بين التسوية والتصعيد
يدخل الملف النووي الإيراني مرحلة مفصلية جديدة بعد قرار مجلس الأمن الأخير بإمكانية إعادة فرض العقوبات في سبتمبر 2025 عبر آلية سناب باك . هذا التحول يضع إيران أمام خيارات معقدة، بين التفاوض لتخفيف الضغوط أو التصعيد نحو مستويات أعلى من التخصيب والمواجهة المفتوحة.
وأوضح المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات أن الملف النووي الإيراني لم يعد مجرد خلاف تقني حول التخصيب، بل أصبح مرآة لصراع استراتيجي متعدد الأبعاد يشمل الولايات المتحدة، الترويكا الأوروبية، إسرائيل، وروسيا والصين. لذلك، فإن مخرجات المرحلة المقبلة ستحدد ملامح الأمن الإقليمي والدولي.
العقيدة الأمنية الإيرانية
ترتكز العقيدة الدفاعية الإيرانية منذ 1979 على تصنيف الأعداء إلى 3 فئات: الولايات المتحدة وإسرائيل كعدو مطلق، حلفاء واشنطن كخصوم داعمين، والمعارضة الداخلية كتهديد داخلي. وقد أسست طهران الحرس الثوري وفيلق القدس لتطبيق هذه العقيدة عبر مزيج من الدفاع الداخلي والدعم لوكلائها الإقليميين.
وقال المركز الأوروبي، السبت 27 سبتمبر 2025، إن إيران تصدر صورة أن العقيدة الأمنية تركز على الدفاع وليس الهجوم، وحماية أراضيها من أي تهديدات، رغم تأسيسها لحركات خارج أراضيها مثل حزب الله اللبناني، والحشد الشعبي وحزب الله بالعراق، والحوثيين باليمن.
ومع تأخر الرد على الهجمات الإسرائيلية في يونيو 2025، روجت إيران إلى أن التراجع يعد تكتيكاً لديها في العقيدة الدفاعية، ما يسمح لها بتأجيل أو تغيير معايير الرد العسكري على العدو، وترى أن حماية مصالحها والاحتفاظ بتوازنات القوة بالشرق الأوسط أولوية، وقال المرشد الأعلى علي خامنئي عقب اغتيال إسماعيل هنية عام 2024 إن التراجع أحيانًا يكون تكتيكًا .
خطاب الردع الإقليمي
أكد كبير مستشاري المرشد للشؤون العسكرية، يحيى رحيم صفوي، أن عمق الدفاع الاستراتيجي الإيراني يمتد إلى البحر الأحمر والمتوسط، وتعتمد هذه الرؤية على تطوير الصواريخ والطائرات المسيّرة، والهجمات السيبرانية، إضافة إلى تسليح الوكلاء في العراق ولبنان واليمن.
وأوضح المركز الأوروبي أن هذا النهج يعزز قدرة إيران على الردع غير المباشر دون الدخول في مواجهة شاملة. لكنه في الوقت نفسه يزيد من مخاوف الغرب الذي يرى في هذه الأدوات تهديدًا للاستقرار الإقليمي، خاصة بعد حرب يونيو 2025.
جدل التفاوض وكسب الوقت
رغم إعلان طهران أن برنامجها سلمي، فإن إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 60% زاد الشكوك بشأن نواياها، وأكد نائب وزير الخارجية، كاظم غريب آبادي، أن تفعيل العقوبات سيعني تعليق التفاهم مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولكن الانقسام الداخلي في إيران يجعل الموقف متذبذبًا بين التفاوض والتصعيد.
وصرّح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في أغسطس 2025، أن الحوار لا يعني الاستسلام، بل وسيلة لتجنب المواجهة. فيما دعا مهدي كروبي وحسن روحاني إلى خفض التصعيد، بينما اعتبر المحافظون ذلك ضعفًا. هذا التباين الداخلي يعكس صعوبة حسم الموقف الإيراني تجاه المفاوضات.
مواقف داخلية متباينة
أعلن إبراهيم عزيزي، رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان، أن بلاده حضرت جميع المفاوضات ولا تعتبرها تنازلًا، بينما هاجمت صحيفة كيهان تصريحات بزشكيان ووصفتها بالجهل، ويعكس هذا الانقسام صراعًا داخليًا بين تيارات ترى في المفاوضات أداة بقاء وأخرى تعتبرها خضوعًا.
ويرى الباحث في الشؤون الإيرانية بمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، داني سيترينوفيتش، أن الأزمات الداخلية والخارجية قد تدفع إيران إلى مواجهة مع إسرائيل كخطوة استباقية، موضحًا أن طهران ستركز على إعادة بناء قدراتها الدفاعية قبل اتخاذ قرارات استراتيجية بشأن الملف النووي، ما يرجّح تأجيل الحسم.
سيناريو التسوية المعدلة
يبقى سيناريو العودة لاتفاق معدل قائمًا. فقد أكد إبراهيم عزيزي أن التفاوض ممكن حول نسب التخصيب، لكن دون المساس بمبدأ التخصيب نفسه. وتشترط طهران ضمانات بعدم استهدافها عسكريًا وتعويضات عن الأضرار. أما الترويكا الأوروبية، فتطالب بالسماح لمفتشي الوكالة بالوصول الكامل للمخزون النووي.
وقال الباحث الأمريكي باتريك كلاوسون إن واشنطن تجد راحة في آلية سناب باك لأنها تعفيها من الجهد المباشر. وأوضح أن الترويكا تحمّلت عبء المواجهة مع طهران، ما جعل الأزمة تُصوّر وكأنها مشكلة أوروبية أكثر من كونها صراعًا أمريكيًا إيرانيًا.
سيناريو التصعيد المتدرج
رغم تصريح علي لاريجاني باستعداد بلاده لتقليص التخصيب إلى 20% لتفادي العقوبات، فإن الواقع يشير إلى استمرار إيران برفع النسبة وعرقلة وصول المفتشين. كما اعتمدت طهران على الهجمات السيبرانية واستخدام الحوثيين كورقة ضغط. هذه السياسة قد تؤدي إلى تصعيد تدريجي دون حرب شاملة.
أكد المركز الأوروبي أن التصعيد المتدرج يزيد من كلفة المواجهة الغربية، لكنه يعرّض إيران لخطر العقوبات الأشد وعزلة دولية. ومع اقتراب نهاية سبتمبر 2025، يبقى هذا السيناريو الأكثر احتمالًا إذا لم تُستأنف المفاوضات سريعًا.
سيناريو المواجهة المفتوحة
تخشى واشنطن وتل أبيب من أن يؤدي استمرار التخصيب إلى إنتاج رؤوس نووية. ومع امتلاك إيران نحو 400 كغ من اليورانيوم المخصب، ترتفع المخاوف من مواجهة شاملة. كما أن الانتشار العسكري الأمريكي في الخليج وشرق المتوسط يعزز فرص التدخل المباشر إذا تصاعدت الأزمة.
أشار المركز الأوروبي إلى أن إسرائيل تسعى لإثبات تفوقها عبر ضربات استباقية واغتيالات. في المقابل، ترى واشنطن أن وجودها العسكري يوفر ردعًا واستجابة سريعة لأي هجوم. غير أن هذا الوضع يزيد قلق دول المنطقة من تحول الردع إلى استفزاز.
روسيا والصين وأمن الطاقة
سعت موسكو وبكين لتمديد مهلة فرض العقوبات، لكنهما لا تملكان آلية لعرقلة سناب باك . الصين، التي تعتمد على النفط الإيراني، تتجنب مواجهة مباشرة مع واشنطن، فيما تسعى روسيا لتعميق تعاونها مع طهران عسكريًا واقتصاديًا، رغم محدودية قدرتها على حمايتها دبلوماسيًا.
أوضح المركز الأوروبي أن العلاقات الإيرانية والروسية والصينية تمنح طهران مظلة دعم جزئي، لكنها لا تشكل ضمانة كاملة. فموسكو وبكين توازنان بين مصالحهما مع الغرب وحاجتهما لإيران كشريك استراتيجي، ما يجعل موقفهما غير حاسم عند الأزمات الكبرى.
السيناريو الأكثر ترجيحًا
يقف الملف النووي الإيراني أمام 4 سيناريوهات: تسوية معدلة بشروط متبادلة، تصعيد متدرج يرفع الكلفة دون حرب شاملة، مواجهة مفتوحة قد تجر المنطقة لصراع طويل، أو استمرار الوضع الراهن عبر المماطلة. وجميعها ترتبط بقدرة طهران على الموازنة بين الردع والتفاوض.
ويرى المركز الأوروبي أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو التصعيد المتدرج، مع إبقاء خطوط تفاوض مفتوحة. فإيران تسعى لتجنب العزلة الكاملة، لكنها في الوقت نفسه ترفض التخلي عن ورقة الردع النووي. وهذا ما يجعل المرحلة المقبلة محفوفة بمخاطر كبرى.