عاجل:بين الشطرنج والسياسة.. كاسباروف لماذا أصبح هدفًا لـ #موسكو؟
أصدرت روسيا مؤخراً مذكرة توقيف بحق جاري كاسباروف، بطل الشطرنج السابق والمعارض البارز للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بتهمة التحريض على الإرهاب وتبريره ، وفقاً لوكالة الأنباء الروسية تاس.
ويأتي هذا الإجراء بعد أشهر قليلة من تصريحاته المثيرة للجدل في مقابلة مع صحيفة لو فيجارو ، حيث حذّر أوروبا من نوايا بوتين، قائلاً إن هدفه الرئيسي هو تصفية حلف الناتو والاتحاد الأوروبي .
من الشطرنج إلى السياسة العالمية
حسب صحيفة لو فيجارو ، الأربعاء 24 ديسمبر 2025، فإن كاسباروف، الذي يحمل حالياً الجنسية الكرواتية، وصف هذه التهم بأنها محاولة لتجريم المعارضة: مرة أخرى؟ معارضة دولة إرهابية هي بالضرورة إرهاب ، ويعد هذا الأمر الثاني من نوعه الذي يواجهه منذ عام 2024 لنشاطه السياسي ونقده الصريح للقيادة الروسية.
وولد جاري كاسباروف في 13 أبريل 1963 بمدينة باكو، عاصمة أذربيجان، التي كانت آنذاك جزءًا من الاتحاد السوفيتي، ونشأ كاسباروف في بيئة عائلية مثقفة؛ فوالده كان مهندسًا معماريًا وأمه معلمة رياضيات، ما وفر له بيئة محفزة على التفكير التحليلي والمنطقي منذ نعومة أظافره، وهذه الخلفية الأسرية أسهمت بشكل كبير في تطوير مهاراته الذهنية التي لاحظت موهبته الفريدة في الشطرنج منذ صغره.
بداية شغف كاسباروف بالشطرنج
بدأ كاسباروف شغفه بالشطرنج وهو طفل صغير، وسرعان ما أصبح يتفوق على أقرانه بفضل ذكائه وقدرته على التحليل السريع للمواقف، التحق كاسباروف بمدرسة متخصصة للشطرنج في موسكو، وهي مدرسة تهتم بتطوير المواهب الشابة، وهناك تلقى تدريبًا مكثفًا على مستوى احترافي، مما أعده للمنافسات العالمية في وقت لاحق.
وعلى الرغم من تركيزه على الشطرنج، تلقى تعليمًا متوازنًا شمل الأدب والرياضيات، وهو ما ساعده على صقل قدراته الاستراتيجية والتحليلية التي امتدت لاحقًا إلى المجال السياسي.
التحول إلى السياسة وحقوق الإنسان
تميز جاري كاسباروف في سن المراهقة، وأصبح أصغر بطل في تاريخ الشطرنج السوفيتي بعد فوزه ببطولة الاتحاد السوفيتي للشطرنج وهو في السابعة عشرة من عمره. وفي عام 1985، أحرز لقب بطل العالم للشطرنج بعد فوزه على أناتولي كاربوف، ليصبح بذلك واحدًا من أعظم لاعبي الشطرنج في التاريخ، ويبدأ مسيرة طويلة من النجاحات على المستوى الدولي.
وبعد مسيرته الرياضية الحافلة، تحول كاسباروف إلى النشاط السياسي وحقوق الإنسان، وأصبح صوتًا بارزًا في المعارضة الروسية، خاصة ضد فلاديمير بوتين، مدافعًا عن الديمقراطية وحرية التعبير. هذه التحركات السياسية جعلت منه هدفًا للملاحقات من قبل السلطات الروسية، بما في ذلك إصدار مذكرات توقيف ضده في السنوات الأخيرة، لكنه استمر في نشاطه الدولي كمواطن كرواتي وناشط عالمي.
نشاط دولي وآراء سياسية
إلى جانب كونه أسطورة الشطرنج، يعتبر كاسباروف ناشطاً بارزاً في مجال حقوق الإنسان والسياسة العالمية. وفي مقابلات سابقة، انتقد بشدة السياسات الأمريكية، معبراً عن قلقه من صعود تيارات سياسية متطرفة داخل الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة، واصفاً دونالد ترامب بأنه الأسوأ الذي يمكن أن يحدث وأن الانتخابات الأمريكية قد تؤدي إلى أزمات عالمية إذا لم يتم التعامل معها بحكمة.
كاسباروف يشدد على أهمية وجود قيادة قوية في العالم للحفاظ على استقرار النظام الدولي، ويرى أن الديمقراطيات تمتلك ميزة استراتيجية طالما استمرت في العمل ضمن مؤسساتها المستقرة.
تقييم بوتين واستراتيجية روسيا
وصف كاسباروف فلاديمير بوتين بأنه لاعب بوكر وليس شطرنج، مشيراً إلى أن الديكتاتوريات تعتمد على القرارات الفورية والفوضى لكسب التفوق، بينما الديمقراطيات تعتمد على التخطيط الاستراتيجي الطويل المدى. ويرى أن بقاء بوتين في السلطة يزيد من الفوضى في العالم، وأن رحيله قد يفتح المجال لإصلاحات حقيقية في روسيا، رغم أن التحديات ستظل كبيرة، خاصة في مواجهة الصين والمشكلات الداخلية في الشرق والجنوب الروسي.
كما أشار إلى أن دعم روسيا للمجموعات المتطرفة في الشرق الأوسط، واستخدام أزمة اللاجئين كأداة سياسية، يعكس سعي بوتين لتقويض أوروبا وإضعاف مؤسساتها.
النشاط الإنساني والتحليل الدولي
يشارك كاسباروف في العديد من المبادرات الحقوقية والديمقراطية حول العالم، مثل منتدى أوسلو للحرية وحقوق الإنسان، ويواصل الدعوة إلى إعادة بناء التحالفات الدولية القائمة على القيادة الأخلاقية والاقتصادية. كما حذر من عدم قدرة الأمم المتحدة حالياً على مواجهة الأزمات بفعالية، مشدداً على أهمية وجود رؤية استراتيجية طويلة المدى من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.
وكاسباروف متفائل بطبيعته، مستلهماً ذلك من مسيرته في الشطرنج، حيث اعتاد التغلب على المواقف المستحيلة، كما يؤمن بأن مستقبل البشرية ما زال أمامه أفضل أيام، وأن مكافحة الاستبداد والفوضى السياسية تتطلب شجاعة ومبادرة دولية قوية، ويرى أن التحرك المبكر ضد التهديدات الدولية، سواء من روسيا أو من الجماعات المتطرفة، هو السبيل الوحيد للحفاظ على الاستقرار العالمي.