الدكرورى يكتب عن خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام “جزء 8”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام “جزء 8″
ونكمل الجزء الثامن مع خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام، وفي الحديث الشريف يقول صلي الله عليه وسلم ” خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله ” فإن الزواج من أعظم الآيات ومن ثماره حصول المودة والرحمة، وهذا هو الزواج المبارك المبني على السنن وعلى تعظيم شعائر الله حتى وإن افتقد العلاقة والمحبة قبل الزواج فبإذن الله تتحقق الخيرات والبركات، ولقد خرج نبي الله موسى عليه السلام من مصر متجها إلى مدين، فنزل بمكان يجتمع الناس للسقاية فيه، فانتبه موسى عليه السلام بأن يوجد فتاتان تقفان وتنتظران أن يأتي دورهما في السقاية لسقاية أغنامهما، فاقترب موسى عليه السلام منهما وسألهما عن سبب وقوفهما فأجابتاه، بأنهما جاءتا للسقاية عوضا عن أبيهما لأنه شيخ كبير لا يقدر على ذلك، فسقى لهما ولبى حاجتهما موسى عليه السلام.
وقد توجه نبي الله موسى عليه السلام بعد هذا بالشكر والدعاء إلى الله جل في علاه، وفي ذلك الوقت كانت الفتاتان تقصان على والديهما الشيخ الكبير ما حدث معهما، ويصفان له موسى عليه السلام وكيف ساعدهما على إتمام السقاية، فطلب والدهما من إحداهما أن تدعو موسى عليه السلام وتصطحبه إليه ليشكره ويجزيه خيرا على ما قدمه لابنتيه، ويروى أن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم قال “بكى شعيب عليه السلام من حب الله عز وجل حتى عمي، فرد الله عز وجل عليه بصره، ثم بكى حتى عمى فرد الله عليه بصره، ثم بكى حتى عمى فرد الله عليه بصره، فلما كانت الرابعة أوحى الله إليه يا شعيب، إلى متى يكون هذا أبدا منك، إن يكن هذا خوفا من النار فقد أجرتك، وإن يكن شوقا إلى الجنة فقد أبحتك، قال إلهي وسيدي أنت تعلم أني ما بكيت خوفا من نارك.
ولا شوقا إلى جنتك، ولكن عقد حبك على قلبي فلست أصبر أو أراك، فأوحى الله جل جلاله إليه أما إذا كان هذا هكذا فمن أجل هذا سأخدمك كليمي موسى بن عمران” ولقد ذهبت إحدى ابنتي شعيب إلى نبي الله موسى عليه السلام لتدعوه إلى والدها كما طلب منها، وطلبت الفتاة من موسى عليه السلام أن يمضي معها فمضى ووجدها تمشي على استحياء، ولما وصلا إلى عند شعيب، شكر شعيب موسى عليه السلام على صنيعه مع ابنتيه وعرض عليه الزواج بإحداهما وكذلك عرض عليه أن يستأجره ليعمل عنده مدة ثمانية أعوام وأن يزيدها عامين إن أراد فوافق نبي الله موسى عليه السلام على عرضيه وعاد بعدها لمصر، وكان موسى عليه السلام قد رفع حجرا ثقيلا من على البئر ليساعد على السقاية لبنات شعيب، وفي القصة توقير واحترام للوالد الكبير من قبل ابنتيه.
اللتان ذهبتا للعمل بدلا منه، وعندما خرجتا وجدتا من موسى عليه السلام احتراما وتقديرا للمرأة التي خرجت للعمل، فساعدهما موسى عليه السلام ولم ينهرهما بأن المرأة للمنزل فقط كما يفعل الكثيرون الآن، وكما تحمل القصة ضوابط أخلاقية عظيمة في تعامل الرجل مع المرأة الغريبة عنه فلا يسهب في الكلام معها ولا هي إن سأل تسهب في الجواب، وفي حوار نبي الله شعيب مع بناته انظر كيف ظهرت المرأة، فهي صاحبة حقوق وتواجد منذ القدم، لا تخرج للعمل ويعتمد عليها فقط، بل تعود بل يستشيرهما والدهما وتقترح إحداهما عليه فيقبل برأيها، ويضعها في محل ثقته ويرسلها لتدعو بنفسها موسى عليه السلام، رغم أن طلب الفتاة من أبيها أن يستأجر موسى للسقاية فكان يحمل أنها قد وقع في نفسها شيء طيب له، إلا أنها لما ذهبت لتدعوه قالت.
إن أبي يدعوك في تعظيم وتقدير لمكانة الأب ولي أمرها، فكان أقصى شيء راه موسى عليه السلام من ابنة شعيب وهي تصطحبه إلى والدها أنها كانت تمشي على استحياء، والحياء مطلوب للفتاة ويزيد منها ولا ينقص وقد كان هذا الحياء الذي بدا عليها كفيلا بأن يقبل نبي الله موسى عليه السلام أن يتزوجها عندما عرض نبي الله شعيب عليه ذلك، وكذلك كان نبي الله موسى عليه السلام ذو عزة وكان رجل بحق صاحب شهامة ومروءة إذ طلب من ابنة الرجل الصالح شعيب التي أتت لاصطحابه أن تمشي خلفه لا أمامه وقال لها إني إمراء علي دين الخليل إبراهيم ولا يحل لي أن أنظر إليك بما حرم الله علي، وهو درس مهم في غض البصر وكيف كان موسى عليه السلام يعين نفسه ويحفظها من الفتن، على عكس البعض الذين يبحثون عما يفتنهم ويبقون عنده، وهكذا أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن خروج نبيه موسى عليه السلام من مصر خائفا يترقب.