الفاروق عمر رضي الله” نحن أُمّة أراد الله لها العِزّة “

الفاروق عمر رضي الله” نحن أُمّة

أراد الله لها العِزّة “

 

عففت فعفت رعيتك ولو رتعت

لرتعوا…(علي ابن أبي طالب رضي

الله عنه)

 

عن أبي الأشهب جعفر بن حيان السعدي قال :

مرّ عمر رضي الله عنه على مزبلة فاحتبس عندها”يعني توقف وأوقف من معه”، فكأن أصحابه تأذوا بها، فقال : هذه دنياكم التي تحرصون عليها، وتبكون عليها .

 

وعن سالم بن عبد الله : أن عمر بن الخطاب كان يقول:

 

“والله ما نعبأ بلذات العيش أن نأمر بصغار المعزى أن تسمط”ينزع صوفها بالماء الحار” لنا، ونأمر بلباب”نقي” الخبز فيخبز لنا، ونأمر بالزبيب فينبذ لنا في الأسعان”قرب ينتبذ فيها” حتى إذا صار مثل عين اليعقوب، أكلنا هذا وشربنا هذا،

 

ولكنا نريد أن نستبقي طيباتنا، لأنا سمعنا الله يقول: “أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا” “الأحقاف:20،

 

وعن أبي عمران الجوني قال : قال عمر بن الخطاب :

” لنحن أعلم بلين الطعام من كثير من آكليه، ولكنا ندعه ليوم ” يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا “الحج:2،

 

وقد قال عمر رضي الله عنه :

“نظرت في هذا الأمر، فجعلت إن أردت الدنيا أضرّ بالآخرة، وإن أردت الآخرة أضر بالدنيا، فإذا كان الأمر هكذا، فأضر بالفانية،

 

وقد خطب رضي الله عنه الناس، وهو خليفة، وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقة،

 

وطاف ببيت الله الحرام وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة، إحداهن بأدم “الأدم الجلد” أحمر …..(*4)،

 

وأبطأ على الناس يوم الجمعة، ثم خرج فاعتذر إليهم في احتباسه، وقال: إنما حبسني غسل ثوبي هذا، كان يغسل، ولم يكن لي ثوب غيره …….(*5)

 

وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال :

خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه حاجاً من المدينة إلى مكة، إلى أن رجعنا، فما ضرب له فسطاطاً (خيمة)، ولا خباء، كان يلقى الكساء والنطع(جلد الذبيحة)، على الشجرة فيستظل تحته.

 

هذا هو أمير المؤمنين الذي يسوس رعية من المشرق والمغرب يجلس على التراب وتحته رداءٌ كأنه أدنى الرعية، أو من عامّة الناس،

 

ودخلت عليه ذات مرة حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها وقد رأت ما هو فيه من شدة العيش والزهد الظاهر عليه فقالت : إن الله أكثر من الخير، وأوسع عليك من الرزق، فلو أكلت طعاماً أطيب من ذلك، ولبست ثياباً ألين من ثوبك؟

 

قال : سأخصمك إلى نفسك (أي سأجعلك حكماً على نفسك)، فذكر أمر رسول الله ﷺ وما كان يلقى من شدة العيش، فلم يزل يُذكرها ما كان فيه رسول الله ﷺ وكانت معه حتى أبكاها ،…

ثم قال : إنه كان لي صاحبان سلكا طريقاً، فإن سلكت الشديد، لعلي أن أدرك معهما عيشهما الرخي .

لقد بسطت الدنيا بين يدي عمر رضي الله عنه وتحت قدميه، وفتحت بلاد الدنيا في عهده، وأقبلت إليه الدنيا راغمة، فما طرف لها بعين، ولا اهتز لها قلبه، بل كان كل سعادته، في إعزاز دين الله، وخضد شوكة المشركين، فكان الزهد صفة بارزة في شخصية الفاروق .

 

يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه :

《 والله ما كان عمر بن الخطاب بأقدامنا هجرة، وقد عرفت بأي شيء فضلنا، كان أزهدنا في الدنيا》…

ورع الفاروق رضي الله عنه

 

ومما يدل على ورعه رضي الله عنه ما أخرجه أبو زيد عمر بن شبة من خبر معدان بن أبي طلحة اليعمري أنه :

 

{ قدم على عمر رضي الله عنه بقطائف وطعام، فأمر به فقسم، ثم قال: اللهم إنك تعلم أني لم أرزقهم ولن أستأثر عليهم إلا أن أضع يدي في طعامهم، وقد خفت أن تجعله ناراً في بطن عمر،…

قال معدان : ثم لم أبرح حتى رأيته اتخذ صحفة من خالص ماله فجعلها بينه وبين جفان العامة }

فأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يرغب في أن يأكل مع عامة المسلمين لما في ذلك من المصالح الاجتماعية، ولكنه يتحرج من أن يأكل من طعام صنع من مال المسلمين العام، فيأمر بإحضار طعام خاص له من خالص ماله

 

وهذا مثال رفيع في العفة والورع إذ أن الأكل من مال المسلمين العام معهم ليس فيه شبهة تحريم لأنه منهم ولكنه قد أعف نفسه من ذلك ابتغاء مما عند الله تعالى، ولشدة خوفه من الله تعالى خشي أن يكون ذلك من الشبهات فحمى نفسه منه ……(*10)

 

وعن عبد الرحمن بن نجيح قال :

{ نزلت على عمر رضي الله عنه، فكانت له ناقة يحلبها، فانطلق غلامه ذات يوم فسقاه لبنا أنكره، …

فقال : ويحك من أين هذا اللبن لك؟

 

قال : يا أمير المؤمنين إن الناقة انفلت عليها ولدها فشربها، فخليت لك ناقة من مال الله، فقال ويحك تسقيني ناراً، واستحل ذلك اللبن من بعض الناس، فقيل هو لك حلال يا أمير المؤمنين ولحمها }…..(*11)

 

فهذا مثل من ورع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، حيث خشي من عذاب الله جل وعلا لما شرب ذلك اللبن مع أنه لم يتعمد ذلك، ولم تطمئن نفسه إلا بعد أن استحل ذلك من بعض كبار الصحابة رضي الله عنهم الذي يمثلون المسلمين في ذلك الأمر،

 

وهذا الخبر وأمثاله يدل على أن ذكر الآخرة بما فيها من حساب ونعيم أو شقاء أخذ بمجامع عمر وملأ عليه تفكيره، حتى أصبح ذلك موجهاً لسلوكه في هذه الحياة ….(*12)،

 

لقد كان عمر رضي الله عنه شديد الورع، وقد بلغ به الورع فيما يحق له ولا يحق، أنه مرض يوماً، فوصفوا له العسل دواء، وكان في بيت المال عسل جاء من بعض البلاد المفتوحة، فلم يتداو عمر بالعسل كما نصحة الأطباء، حتى جمع الناس، وصعد المنبر واستأذن الناس: إن أذنتم لي، وإلا فهو علي حرام، فبكى الناس إشفاقاً عليه وأذنوا له جميعاً، ومضى بعضهم يقول لبعض، لله درك يا عمر! لقد أتعبت الخلفاء بعدك .

تواضعه رضي الله عنه 

عن عبد الله بن عباس قال :

{ كان للعباس ميزاب على طريق عمر فلبس عمر ثيابه يوم الجمعة وقد كان ذبح للعباس فرخان فلما وافى الميزاب صُبّ ماء بدم الفرخين فأصاب عمر، فأمر عمر بقلعه، ثم رجع عمر فطرح ثيابه ولبس ثياباً غير ثيابه، ثم جاء فصلى بالناس…

 

فأتاه العباس فقال : والله إنه للموضع الذي وضعه رسول الله ﷺ … يعني أن ذلك الميزاب وضعه رسول الله ﷺ لي بيده

 

فقال عمر للعباس : وأنا أعزم عليك لما صعدت على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضعه رسول الله ﷺ ، ففعل ذلك العباس } …..(*14)،

 

وعن الحسن البصري قال :

{ خرج عمر رضي الله عنه في يوم حارّ واضعاً رداءه على رأسه، فمرَّ به غلام على حمار، فقال: يا غلام، احملني معك، فوثب الغلام عن الحمار، وقال: اركب يا أمير المؤمنين،…

 

قال : لا، اركب وأركب أنا خلفك، تريد تحملني على المكان الوطئ، وتركب أنت على الموضع الخشن ؟ فركب خلف الغلام، فدخل المدينة، وهو خلفه والناس ينظرون إليه(*15)

 

وعن سنان بن سلمة الهذلي قال :

{ خرجت مع الغلمان ونحن نلتقط البلح، فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعه الدِّرَّة، فلما رآه الغلمان تفرقوا في النخل،

 

قال: وقمت وفي إزاري شيء قد لقطته، فقلت :

يا أمير المؤمنين، هذا ما تلقي الريح، قال: فنظر إليه في إزاري فلم يضربني،..

 

فقلت: يا أمير المؤمنين، الغلمان الآن بين يديَّ، وسيأخذون ما معي، قال كلا، امش قال فجاء معي إلى أهلي }..(*16)

 

وقدم على عمر بن الخطاب وفد من العراق فيهم الأحنف بن قيس في يوم صائف شديد الحر، وعمر معتجر (معمم) بعباءة يهنأ بعيراً من إبل الصدقة (أي يطليه بالقطران) فقال : يا أحنف ضع ثيابك، وهلم، فأعن أمير المؤمنين على هذا البعير فإنه إبل الصدقة، فيه حق اليتيم، والأرملة، والمسكين،…

 

فقال رجل من القوم : يغفر الله لك يا أمير المؤمنين فهلا تأمر عبداً من عبيد الصدقة فيكفيك؟

 

فقال عمر : وأي عبد هو أعبد مني، ومن الأحنف؟ إنه من ولي أمر المسلمين يجب عليه لهم ما يجب على العبد لسيده في النصيحة، وأداء الأمانة……(*17)

 

وعن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال :

{ رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء فقلت : يا أمير المؤمنين، لا ينبغي لك هذا، ..

فقال : لما أتاني الوفود سامعين مطيعين، دخلت نفسي نخوة، فأردت أن أكسرها }…(*18)

 

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :

{ سمعت عمر بن الخطاب يوماً، وخرجت معه حتى دخل حائطاً، فسمعته يقول: وبيني وبينه جدار، وهو في جوف الحائط: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ، والله بنيّ الخطاب، لتتقين الله، أو ليعذبنك }. ….(*19)،

 

وعن جبير بن نفير : أن نفراً قالوا لعمر بن الخطاب : ما رأينا رجلاً أقضى بالقسط، ولا أقول للحق ولا أشدَّ على المنافقين منك يا أمير المؤمنين، فأنت خير الناس بعد رسول الله،…

 

فقال عوف بن مالك(الأشجعي20) : كذبتم – والله – لقد رأينا بعد رسول الله ﷺ ،

فقال : من هو؟ فقال : أبو بكر …

 

فقال عمر: صدق عوف، وكذبتم، والله لقد كان أبو بكر أطيب من ريح المسك، وأنا أضل من بعير أهلي – يعني قبل أن يسلم – لأن أبا بكر أسلم قبله بست سنين } ..(*21).

وهذا يدل على تواضع عمر وتقديره للفضلاء ولا يقتصر على الأحياء منهم، ولكنه يعم منهم الموتى كذلك، فلا يرضى أن ينكر فضلهم أو يغفل ذكراهم، …

 

ويظل يذكرهم بالخير في كل موقف، ويحمل الناس على احترام هذا المعنى النبيل وعدم نسيان ما قدموه من جلائل الأعمال، فيبقى العمل النافع متواصل الحلقات يحمله رجال من رجال إلى رجال، فلا ينسى العمل الطيب بغياب صاحبه أو وفاته وفي هذا وفاء وفيه إيمان.

إن عمر رضي الله عنه لا يقر إغفال فضل من سبقه في هذا المقام ولا يرضى أن تذهب أفضال السابقين أدراج النسيان. إن الأمة التي تنسى أو تغفل ذكر من خدموها، أمة مقضي عليها بالتبار.

 

أليس من الخير أن يربي الناس على هذه الخلال السامية؟ لقد تربى عمر على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام فعلّماه ما تعجز عنه كتب التربية والأخلاق قديمها وحديثها، وما يزال كتاب الله بين أيدينا وما تزال سنة رسول الله ﷺ محفوظة لدينا وفيها علم وتربية وأخلاق بما

لا يقاس عليه ..

حلمه رضي الله عنه

 

عن ابن عباس رضي الله عنه قال :

{ قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس(الفزاري، صحابي أسلم مع وفد بني فزارة. )، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته، كهولا كانوا أو شبانا، …

 

فقال عيينة لابن أخيه : يا ابن أخي هل لك أو قال: لك وجه عند الأمير، فاستأذن لي عليه قال: سأستأذن لك عليه.

 

قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر، فلما دخل عليه قال : إيه، أو هي يا بن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل (العطاء الكثير)، ولا تحكم فينا بالعدل، …

 

فغضب عمر حتى هم أن يوقع به، فقال له الحر : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه : “خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ ” الأعراف: 199.

 

وإن هذا من الجاهلين ، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، …وكان وقافاً عند كتاب الله } ……(*24)

 

فعندما سمع رضي الله عنه الآية الكريمة هدأت ثائرته، وأعرض عن الرجل الذي أساء إليه في خلقه عندما اتهمه بالبخل، وفي دينه عندما اتهمه بالجور في القسم، وتلك التي يهتم لها عمر وينصب، …

 

ومن منا يملك نفسه عند الغضب؟

وخاصة إذا كان للغضب ما يحمل عليه، كثيرون لا أظن ولا قليلون، متى نتجمل بهذه التعاليم لنكون مثلاً قرآنياً نتحرك وفق ما نقرأ في كتاب الله الكريم؟ متى يكون خلقنا القرآن ؟(*25)

 

وعندما خطب عمر بالجابية في الشام تحدث عن الأموال وكيفية القسمة وعن أمور ذكر منها…

{….وإني أعتذر إليكم عن خالد بن الوليد فإني أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين فأعطى ذا البأس، وذا الشرف، وذا اللسان فنزعته وأمرت أبا عبيدة بن الجراح، فقام أبو عمرو بن حفص بن المغيرة (*26) فقال :

 

والله ما اعتذرت يا عمر، ولقد نزعت عاملاً استعمله رسول الله ﷺ وأغمدت سيفاً سله رسول الله ﷺ ووضعت أمراً نصبه رسول الله ﷺ وقطعت رحماً، وحسدت ابن العم. فقال عمر رضي الله عنه: إنك قريب القرابة، حديث السن، تغضب في ابن عمك.

هذه بعض صفاته رضي الله عنه التي كانت ثماراً لتوحيده وإيمانه بالله واستعداده للقدوم على الله تعالى..

 

وقد تحدث العلماء والباحثون عن صفاته الشخصية والتي من أهمها:

 

القوة الدينية، والشجاعة، والإيمان القوي، والعدل، والعلم، والخبرة، وسعة الإطلاع، والهيبة وقوة الشخصية، والفراسة والفطنة وبعد النظر والكرم، والقدوة الحسنة، والرحمة، والشدة والحزم، والغلظة، والتقوى والورع،…

 

وتكلموا عن سمات السلوك القيادي عند الخليفة عمر بن الخطاب والتي من أهمها؛ سماع النقد، والقدرة على تفعيل الناس وإيجاد العمل، والمشاركة في اتخاذ القرارات بالشورى، والقدرة على إحداث التغيير والتقلب في المواقف الطارئة، وشدة مراقبته للولاة والأمراء .

حياته مع أسرته

قال عمر رضي الله عنه :

“إن الناس ليؤدون إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله، وإن الإمام إذا رتع رتعت الرعية”.

ولذلك كان رضي الله عنه شديداً في محاسبة نفسه وأهله، فقد كان يعلم أن الأبصار مشرئبة نحوه وطامحة إليه، وأنه لا جدوى إن قسا على نفسه وترك أهله يرتعون فحوسب عنهم في الآخرة، ولم ترحمه ألسنة الخلائق في الدنيا….

 

فكان عمر إذا نهى الناس عن شيء تقدم إلى أهله فقال :

 

{ إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم كما ينظر الطير إلى اللحم فإن وقعتهم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإني والله لا أوتى برجل وقع فيما نهيت الناس عنه إلا أضعفت له العذاب، لمكانه مني، فمن شاء منكم أن يتقدم، ومن شاء منكم أن يتأخر .}.

وكان شديد المراقبة والمتابعة لتصرفات أولاده وأزواجه وأقاربه وهذه بعض المواقف:

1- منع عمر رضي الله عنه أهله من الاستفادة من المرافق العامة التي رصدتها الدولة لفئة من الناس، خوفاً من أن يحابي أهله بها ،

 

قال عبد الله بن عمر :

{اشتريت إبلاً أنجعتها الحمى فلما سمنت قدمت بها، قال: فدخل عمر السوق فرأى إبلاً سماناً، فقال: لمن هذه الإبل؟

 

قيل : لعبد الله بن عمر، قال، فجعل يقول: يا عبد الله بن عمر بخ … بخ … ابن أمير المؤمنين، قال: ما هذه الإبل؟ قال، قلت: إبل اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى ابتغى ما يبتغي المسلمون،

 

قال عبد الله : فقال عمر : فيقولون ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، يا عبد الله بن عمر اغد إلى رأس مالك، واجعل باقيه في بيت مال المسلمين…..(*30).

2 – محاسبته لابنه عبد الله لما اشترى فيء جلولاء

 

قال عبد الله بن عمر :

{ شهدت جلولاء – إحدى المعارك ببلاد فارس – فابتعت من المغنم بأربعين ألفاً، فلما قدمت على عمر قال : أرأيت لو عرضت (أنا) على النار فقيل لك : افتده، أكنت مفتدياً به؟

 

قلت والله ما من شيء يؤذي بك إلا كنت مفتدياً بك منه، قال : كأني شاهد الناس حين تبايعوا فقالوا : عبد الله بن عمر صاحب رسول الله ﷺ وابن أمير المؤمنين وأحب الناس إليه، وأنت كذلك….

فكان أن يرخصوا عليك أحب إليهم من أن يغلوا عليك، وإني قاسم مسؤول وأنا معطيك أكثر ما ربح تاجر من قريش، لك ربح الدرهم درهم،

 

قال: ثم دعا التجار فابتاعوه منه بأربعمائة ألف درهم، فدفع إلي ثمانين ألفاً وبعث بالباقي إلى سعد بن أبي وقاص ليقسمه (*31).

3- منع جرِّ المنافع بسبب صلة القرابة له

 

عن أسلم قال : { خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهل وقال : لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت،..

 

ثم قال: بلى، هاهنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين وأسلفكماه فتبيعان به متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون لكما الربح، ففعلاً، ….وكتب إلى عمر أن يأخذ منهما المال.

 

فلما قدما على عمر قال : أكل الجيش أسلف كما أسلفكما؟ فقالا : لا. فقال عمر : أديا المال وربحه، (لبيت المال)

 

فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين، لو هلك المال أو نقص لضّمناه .

 

فقال (عمر) : أديا المال. فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله.

 

فقال رجل من جلساء عمر : يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضاً (شركة)

فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف ربح المال. قالوا: هو أول قراض في الإسلام.

4- تفضيل أسامة بن زيد على عبد الله بن عمر رضي الله عنهم في العطاء

 

كان عمر رضي الله عنه يقسم المال ويفضل بين الناس على السابقة والنسب ففرض لأسامة بن زيد رضي الله عنه أربعة آلاف، وفرض لعبد الله بن عمر رضي الله عنه ثلاثة آلاف،

 

فقال : يا أبت فرضت لأُسامة بن زيد أربعة آلاف، وفرضت لي ثلاثة آلاف؟ فما كان لأبيه من الفضل مالم يكن لك ! وما كان له من الفضل مالم يكن لي !

 

فقال عمر : إن أباه كان أحب إلى رسول الله ﷺ من أبيك، وهو كان أحب إلى رسول الله ﷺ منك !!(*33)

5- أنفقت عليك شهراً

قال عاصم بن عمر : {أرسل إليّ عمر يرفأ (مولاه) فأتيته – وهو جالسٌ في المسجد فحمد الله عز وجل – وأثنى عليه، ثم قال : أما بعد فإني لم أكن أرى شيئاً من هذا المال يحل لي قبل أن أليه إلا بحقه،….

 

ثم ما كان أحرم علي منه حين وليته، فعاد أمانتي ، وإني كنت أنفقت عليك من مال الله شهراً، فلست بزائدك عليه، وإني أعطيت ثمرك بالعالية منحة، فخذ ثمنه، ثم ائت رجلاً من تجار قومك فكن إلى جانبه، فإذا ابتاع شيئاً فاستشركه وأنفق عليك وعلى أهلك قال: فذهبت ففعلت}.

6- خذه يا معيقيب فاجعله في بيت المال

قال معيقيب : أرسل إليَّ عمر رضي الله عنه مع الظهيرة، فإذا هو في بيت يطالب ابنه عاصماً … فقال لي: اتدري ما صنع هذا؟ إنه انطلق إلى العراق فأخبرهم أنه ابن أمير المؤمنين، فانتفقهم (سألهم النفقة)، فأعطوه آنية وفضة ومتاعاً، وسيفاً محلى…!

 

فقال : عاصم: ما فعلتُ، إنما قدمت على ناس من قومي، فأعطوني هذا. فقال عمر: خذه يا معيقيب، فاجعله في بيت المال……(*35).

فهذا مثل من التحري في المال الذي يكتسبه الإنسان عن طريق جاهه، ومنصبه، فحيث شعر أمير المؤمنين عمر بأنّ ابنه عاصماً قد اكتسب هذا المال لكونه ابن أمير المؤمنين تحرج في إبقاء ذلك المال عنده لكونه اكتسبه بغير جهده الخاص فدخل ذلك في مجال الشبهات.

 

7- عاتكة زوجة عمر والمسك

قدم على عمر رضي الله عنه مسك وعنبر من البحرين فقال عمر : والله لوددت أني وجدت امرأة حسنة الوزن تَزِنُ لي هذا الطيب حتى أقسمه بين المسلمين، ..

 

فقالت له امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل : أنا جيدة الوزن فهلمّ أزن لك، ..

قال عمر : لا، قالت : لم؟

قال: إني أخشى أن تأخذيه فتجعليه هكذا وأدخل أصابعه في صدغيه – وتمسحي به عنقك، فأصيب فضلاً على المسلمين ……(*37)

 

فهذا مثل من ورع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه واحتياطه البالغ لأمر دينه، فقد أبى على امرأته أن تتولى قسمة ذلك الطيب حتى لا تمسح عنقها منه فيكون قد أصاب شيئاً من مال المسلمين، .

 

وهذه الدقة المتناهية في ملاحظة الاحتمالات لأوليائه السابقين إلى الخيرات، وفرقان يفرقون به بين الحلال والحرام والحق والباطل، بينما تفوت هذه الملاحظات على الذين لم يشغلوا تفكيرهم بحماية أنفسهم من المخالفات (*38).

8- رفضه هدية لزوجته

قال ابن عمر : { أهدى أبو موسى الأشعري لامرأة عمر عاتكة بنت زيد طنفسة، أراها تكون ذراعاً وشبراً، فرآها عمر عندها، فقال : أنَّى لك هذه؟ فقالت: أهداها لي أبو موسى الأشعري، فأخذها عمر رضي الله عنه فضرب بها رأسها، حتى نفض رأسها……. (*39) !

 

ثم قال : علي بأبي موسى وأتعبوه فأتى به، وقد أتعب وهو يقول: لا تعجل علي يا أمير المؤمنين فقال عمر : ما يحملك على أن تهدي لنسائي ؟ ثم أخذها عمر فضرب بها فوق رأسه وقال : خذها فلا حاجة لنا فيها …..(*40)،

 

وكان رضي الله عنه يمنع أزواجه في التدخل في شؤون الدولة، فعندما كتب عمر رضي الله عنه على بعض عماله، فكلمته امرأته فيه فقالت: يا أمير المؤمنين فيم وجدت عليه؟ قال: يا عدوة الله وفيم أنت وهذا؟ إنما أنت لعبة يلعب بك ثم تتركين،

 

وفي رواية: فأقبلي على مغزلك ولا تعرضي فيما ليس من شأنك …….(*41).

 

9- هدية ملكة الروم لزوجته أم كلثوم

 

ذكر الأستاذ الخضري في محاضراته، أنه – لما ترك ملك الروم الغزو وكاتب عمر وقاربه وسير إليه عمر الرسل مع البريد بعثت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب إلى ملكة الروم بطيب ومشارب وأحناش من أحناش النساء ودسته إلى البريد فأبلغه لها فأخذ منه …

 

وجاءت امرأة قيصر وجمعت نساءها وقالت : هذه هدية امرأة ملك العرب وبنت نبيهم وكاتبتها وأهدت لها …. وفيما أهدت لها عقد فاخر، فلما انتهى به البريد إليه(عمر) أمر بإمساكه ودعا الصلاة جامعة، ….

 

فاجتمعوا فصلى بهم ركعتين وقال :

{إنه لا خير في أمر أبرم عن غير شورى من أموري. قولوا في هدية أهدتها أم كلثوم لامرأة ملك الروم فقال قائلون: هو له بالذي لها: وليست امرأة الملك بذمة فتصانع به ولا تحت يديك فتبقيك.

 

وقال آخرون قد كنا نهدي الثياب لنستثيب ونبعث بها لتباع ولنصيب شيئاً، فقال: ولكن الرسول رسول المسلمين والبريد بريدهم والمسلمون عظموها في صدرها فأمر بردها إلى بيت المال ورد عليها بقدر نفقتها ….} (*42).

10- أم سليط أحق به

 

عن ثعلبة بن أبي مالك أنه قال : إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطاً بين نساء أهل المدينة، فبقي منها مرطٌ جيد فقال له بعض من عند ه: يا أمير المؤمنين، أعط هذا بنت رسول الله ﷺ التي عندك – يريدون أم كلثوم بنت علي –

 

فقال عمر: أم سليط أحق به – وأم سليط من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله ﷺ – قال عمر : فإنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد .

11- غششت أباك ونصحت أقرباءك

 

جيء إلى عمر رضي الله عنه بمال، فبلغ ذلك حفصة أم المؤمنين، فقالت: يا أمير المؤمنين، حق أقربائك من هذا المال، قد أوصى الله عز وجل بالأقربين من هذا المال، فقال: يا بنية حق أقربائي في مالي، وأما هذا ففي سداد المسلمين، غششت أباك ونصحت أقرباءك. قومي..

12- أردت أن ألقى الله ملكاً خائناً

 

قدم صهرٌ لعمر عليه فطلب أن يعطيه عمر من بيت المال فانتهره عمر وقال: أردت أن ألقى الله ملكاً خائناً: فلما كان بعد ذلك أعطاه من صُلب ماله عشرة آلاف درهم ..

هذه بعض المواقف التي تدل على ترفع عمر عن الأموال العامة ومنع أقربائه وأهله من الاستفادة من سطانه ومكانته، ولو أن عمر أرخى العنان لنفسه أو لأهل بيته لرتعوا ولرتع من بعدهم وكان مال الله تعالى حبساً على أولياء الأمور. ومن القواعد الطبيعية المؤيدة بالمشاهد أن الحاكم إذا امتدت يده إلى مال الدولة اتسع الفتق على الراتق واختل بيت المال أو مالية الحكومة وسرى الخلل إلى جميع فروع المصالح وجهر المستسر بالخيانة وانحل النظام، ومن المعلوم أن الإنسان إذا كان ذا قناعة وعفة عن مال الناس زاهداً في حقوقهم دعاهم ذلك إلى محبته والرغبة فيه وإذا كان حاكما حدبوا عليه وأخلصوا في طاعته وكان أكرم عليهم من أنفسهم …..(46).

 

ومن خلال حياته مع أسرته وأقربائه يظهر لنا مَعْلمٌ من معالم الفاروق في ممارسة منصب الخلافة وهي القدوة الحسنة في حياته الخاصة والعامة، حتى قال في حقه علي بن أبي طالب: عففت فعفت رعيتك ولو رتعت لرتعوا،

 

وكان لالتزامه بما يدعو إليه، ومحاسبته نفسه وأهل بيته أكثر مما يحاسب به ولاته وعماله الأثر الكبير في زيادة هيبته في النفوس وتصديق الخاصة والعامة له.

هذا هو عمر الخليفة الراشد الذي بلغ الذروة في القدوة رباه الإسلام، فملأ الإيمان بالله شغاف قلبه، إنه الإيمان العميق، الذي صنع منه قدوة للأجيال، ويبقى الإيمان بالله والتربية على تعاليم هذا الدين سبباً عظيماً في جعل الحاكم قدوة في أروع ما تكون القدوة من هنا إلى يوم القيام.

رضي الله عن عمر بن الخطاب

وصل الله على محمد و آله وصحبه وسلم

مجموعه من جوجل