بلال بن رباح الحبشي ” جزء 6″

الدكرورى يكتب عن بلال بن رباح الحبشي ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

بلال بن رباح الحبشي ” جزء 6″

نكمل الجزء السادس مع بلال بن رباح الحبشي، وقد غفل عن الصادقين من جيل الصحابة، وهي مسؤولية المربين من الآباء والمعلمين ألا فلنغرس في أنفسنا وأنفس أولادنا حب الصحابة ولننشر قصصهم فحق على كل ناصح ألا يخلي بيته من كتاب في سير الصحابة يطالع هو فيه ويحث أولاده على المطالعة فيه ويناقشهم ويدارسهم تلك الأخبار الناصحة والبطولات النادرة، ومن دروس سيرة الصحابى الجليل بلال رضى الله عنه هذه السنة المجهولة أو المهجورة أنه ما توضأ فى أي ساعة من ليل أو نهار إلا صلى ما شاء الله أن يصلى وهي ما يقال عنها بسنة الوضوء وهى من أسباب دخول الجنة بل من أسباب السبق فى دخولها، وفيها أيضا المحافظة على الوضوء.

وأن الإنسان يبقى على طهارته وإن لم يرد صلاة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم “لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن” أما صبر بلال على ثباته في هذا الدين الذي اختاره لنفسه ورضيه له ربه فهو درس أبلغ من أن يشار إليه فأين الإنهزاميون الذين تتقلب بهم الأهواء وتلهيهم النعمة، وتعصف بهم النغمة وينتكسون بسبب النظرة؟ أين هم ممن وضع على صدره الصخرة، وأوذى ليقول لهم فقط الكلمة ؟ ولكنه قال الكلمة التي يريدها الله أحد أحد، ولم يزل بلال رضي الله عنه ثابتا بتثبيت الله لازم المدينة مؤذنا في المسجد النبوى حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحتسب موته وباشر مع الصحابة دفنه وتذكر الروايات أنه هو الذى صب الماء على قبره من قربه معه.

ثم لم تطب نفسه بالبقاء بعد فراق حبيبه فاستأذن أبا بكر رضي الله ليلحق بالمجاهدين في بلاد الشام فأذن له فلم يزل هناك حتى توفى زمن عمر رضي الله عنهما وله بضع وستون سنة ودفن هناك، ويروى أن عمر لما فتح بيت المقدس ألح عليه أن يؤذن فيه لصلاة الظهر من يوم الفتح، وهو يوم عظيم حضره جمع غفير من الصحابة وأفاضل التابعين وجاء فى الرواية أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لبلال رضى الله عنهما أسألك بالله يا بلال أن تؤذن لنا، فقال أعفنى يا أمير المؤمنين، قال أسألك أن تذكرنا أيامنا الأولى، فأجاب محرجا من طلب أمير المؤمنين وطلب من معه إلا أنه لم يستطع أن يكمل الأذان من البكاء بعد أن سبقه بكاء عمر وبكى الناس معه.

قال زيد بن أسلم عن أبيه قدمنا الشام مع عمر فأذن بلال فذكر الناس النبى صلى الله عليه وسلم فلم أر باكيا أكثر من يومئذ فرضى الله عن بلال وعن عمر وعن الصحابة أجمعين وألحقنا بهم فى السابقين، وجمعنا وإياكم بهم في جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وكان بلال بن رباح رضي الله عنه أول من آمن من العبيد، حيث كان يرعى غنما لعبد الله بن جدعان، فرآه النبى صلى الله عليه وسلم وهو معتزلا فى الغار مع أبي بكر رضى الله عنه، فناداه وطلب منه اللبن، فأخبره أنه ليس معه إلا شاة واحدة، فطلب منه أن يأتى بها فحلبها النبى صلى الله عليه وسلم وشرب حتى ارتوى، ثم سقى أبا بكر وبلال رضى الله عنهما منها، فكانت الشاة أنشط مما كانت عليه.

فدعاه النبى صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فأسلم، وبقى يأتى إلى نفس المكان لمدة ثلاثة أيام يتعلم الإسلام فمر أبو جهل بعبد الله بن جدعان وأخبرهم أن غنمهم أصبحت تنمو منذ ثلاثة أيام، وأن بلال يذهب لمرعى ابن أبي كبشة، فمنعوا بلال من الذهاب إلى المكان، ودخل ذات يوم الكعبة، فالتفت فلم ير أحدا من قريش، فبصق على الأصنام وقال “خاب وخسر من عبدكن” فعلمت قريش بذلك، فهرب بلال إلى دار سيده عبد الله بن جدعان بعد أن طلبته قريش، فأخرجه عبد الله لهم، وأهداه لأبى جهل وأمية بن خلف ليفعلوا به ما يشاؤون، فإنها سيرة أخرى من سير الصحابة الكرام، وموقف آخر من مواقف التضحية والعزة والمجد وتفضيل الدين على الدنيا، ذلكم الصحابى الجليل الذى فاق بشديد سمرته الآفاق، وضربت لها فى الجنة الجبال الشهاق.