الدكرورى يكتب عن الملك العادل ذو القرنين “جزء 8”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الملك العادل ذو القرنين “جزء 8″
ونكمل الجزء الثامن مع الملك العادل ذو القرنين، وكان هذا قبل المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة، وكان أرسطا طاليس الفيلسوف وزيره وهو الذي قتل دارا بن دارا وأذل ملوك الفرس وأوطأ أرضهم، وإنما نبهنا عليه لأن كثيرا من الناس يعتقد أنهما واحد، وأن المذكور في القرآن الكريم هو الذي كان أرسطا طاليس وزيره فيقع بسبب ذلك خطأ كبير وفساد عريض طويل كثير، فإن الأول كان عبدا مؤمنا صالح وملكا عادلا، وأما الثاني فكان مشركا وكان وزيره فيلسوفا، وقد كان بين زمانيهما أزيد من ألفي سنة، فأين هذا من هذا ؟ لا يستويان ولا يشتبهان إلا على غبي لا يعرف حقائق الأمور ” وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ” كان أرسطو قبل المسيح بن مريم عليه السلام بنحو ثلاثمائة سنة.
وكان وزيرا للإسكندر بن فيلبس المقدوني الذي غلب على الفرس وهو الذي يؤرخ له اليوم بالتاريخ الرومي تؤرخ له اليهود والنصارى، وليس هذا الإسكندر هو ذا القرنين المذكور في القرآن الكريم، كما يظن ذلك طائفة من الناس، فإن ذلك كان متقدما على هذا وذلك المتقدم هو الذي بنى سد يأجوج ومأجوج، وهذا المقدوني لم يصل إلى السد، وذاك كان مسلما موحدا وهذا المقدوني كان مشركا هو وأهل بلده اليونان كانوا مشركين يعبدون الكواكب والأوثان، فتبين مما سبق أن ذا القرنين المذكور في القرآن كان مسلما موحدا، وكان من العرب، فمن زعم أنه كان جدا للفرس، أو كان نبيا من أنبيائهم على ملتهم ودينهم وطريقتهم، فقد ادعى باطلا كما بينه المحققون من أهل العلم والتاريخ، والله أعلم.
ويذكر القرآن الكريم، أن ذا القرنين هو ملك مكن الله له في الأرض وآتاه الأسباب، وكان يفتح البلدان، حتى إذا اتجه إلى الغرب، وصل إلى مكان تبدو فيه الشمس كأنها تغيب من وراءه حيث كان يظن الناس ألا يابسة وراءه، وكان أهل هذه المنطقة كفارا، فخيره الله بين أن يعذبهم وبين أن يتركهم، فأعلن أنه سيعاقب المعتدين الظالمين في الدنيا، ثم حسابهم على الله يوم القيامة، وأما من آمن، فسيكرمه ويحسن إليه، ولما وصل إلى مغرب الشمس كر راجعا، قاصدا مطلعها، متبعا للأسباب، فوصل إلى مطلع الشمس فوجدها تطلع على أناس ليس لهم ستر من الشمس، إما لعدم استعدادهم في المساكن، وذلك لزيادة همجيتهم وتوحشهم، وعدم تمدنهم، وإما لكون الشمس دائمة عندهم.
لا تغرب عنهم غروبا يذكر، ثم ذهب متوجها من المشرق، قاصدا للشمال، فوصل إلى ما بين السدين، وهما سدان، كانا سلاسل جبال معروفين في ذلك الزمان، وجد من دون السدين قوما، لا يكادون يفقهون قولا لعجمة ألسنتهم، واستعجام أذهانهم وقلوبهم، فاشتكوا إليه ضرر يأجوج ومأجوج، وهما أمتان عظيمتان من بني آدم، فلم يأخذ منهم أجرة، ولكن طلب منهم أن يعينونه بقوتهم، وطلب منهم أن يأتوه بالحديد والنحاس، وأمرهم أن ينفخوا في الحديد، واستعملوا لها المنافيخ لتشتد، فتذيب النحاس، فلما ذاب النحاس، الذي يريد أن يلصقه بين زبر الحديد فأفرغ عليه القطر، فاستحكم السد، فلم يستطع يأجوج ومأجوج أن يثقبوه، ويرد روايات في كتب التفسير في سبب نزول قصة ذي القرنين.
وهو أن مشركي قريش أرسلوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود في يثرب وقالوا لهم ” سلوهم عن محمد، وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم ما ليس عندنا، من علم الأنبياء، فقالت أحبار اليهود، سلوه عن ثلاث نأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبى مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول، فروا فيه رأيكم، سلوه عن فتيه ذهبوا فى الدهر الأول، ما كان أمرهم، فإنه كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وما كان نبأه ؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فلما سألت قريش النبي صلى الله عليه وسلم، الأسئلة الثلاثة، قال لهم” أخبركم بما سألتم عنه غدا ” ولكن ظل النبي صلى الله عليه وسلم، خمسة عشرة ليلة لا يأتيه الوحي حتى أحزن النبي صلى الله عليه وسلم.