حياة الخضر عليه السلام ” جزء 16″

الدكرورى يكتب عن حياة الخضر عليه السلام ” جزء 16″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

حياة الخضر عليه السلام ” جزء 16″

ونكمل الجزء السادس عشر مع حياة الخضر عليه السلام، والشيخ أبو الفرج بن الجوزي، وقد انتصر لذلك، وألف فيه كتابا سماه “عجالة المنتظر في شرح حالة الخضر” فيحتج لهم بأشياء كثيرة، منها قوله تعالى كما جاء فى سورة الأنبياء ” وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد” فالخضر إن كان بشرا فقد دخل في هذا العموم لا محالة، ولا يجوز تخصيصه منه إلا بدليل صحيح، وقال ابن عباس رضى الله عنهما، ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق، لئن بعث رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق، ولئن بعث رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وهم أحياء ليؤمنن به وينصرنه، كما ذكره البخاري عنه، فالخضر إن كان نبيا أو وليا، فقد دخل في هذا الميثاق.

فلو كان حيا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان أشرف أحواله، أن يكون بين يديه يؤمن بما أنزل الله عليه، وينصره أن يصل أحد من الأعداء إليه، لأنه إن كان وليا فالصديق أفضل منه، وإن كان نبيا فموسى عليه السلام أفضل منه، وقد روى الإمام أحمد في مسنده، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني” وهذا الذي يقطع به، ويعلم من الدين علم الضرورة، وقد دلت عليه هذه الآية الكريمة أن الأنبياء كلهم لو فرض أنهم أحياء مكلفون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانوا كلهم أتباعا له، وتحت أوامره، وفي عموم شرعه، كما أنه صلى الله عليه وسلم لما اجتمع معهم ليلة الإسراء، رفع فوقهم كلهم، ولما هبطوا معه إلى بيت المقدس.

وحانت الصلاة، أمره جبريل عن أمر الله أن يؤمهم، فصلى بهم في محل ولايتهم، ودار إقامتهم، فدل على أنه الإمام الأعظم، والرسول الخاتم المبجل المقدم، صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين، فإذا علم هذا وهو معلوم عند كل مؤمن، علم أنه لو كان الخضر حيا لكان من جملة أمة محمد صلى الله عليه وسلم وممن يقتدي بشرعه لا يسعه إلا ذلك، وهذا نبى الله عيسى بن مريم عليه السلام، إذا نزل في آخر الزمان بحكم بهذه الشريعة المطهرة، لا يخرج منها ولا يحيد عنها، وهو أحد أولي العزم الخمسة المرسلين، وخاتم أنبياء بني إسرائيل، والمعلوم أن الخضر لم ينقل بسند صحيح ولا حسن تسكن النفس إليه، أنه اجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم واحد، ولم يشهد معه قتالا في مشهد من المشاهد، وهذا يوم بدر يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فيما دعا به لربه عز وجل، واستنصره، واستفتحه على من كفره “اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الأرض” وتلك العصابة كان تحتها سادة المسلمين يومئذ، وسادة الملائكة حتى جبريل عليه السلام، كما قال حسان بن ثابت في قصيدة له في بيت يقال إنه أفخر بيت قالته العرب، وثبير بدر إذ يرد وجوههم، جبريل تحت لوائنا ومحمد، فلو كان الخضر حيا لكان وقوفه تحت هذه الراية أشرف مقاماته، وأعظم غزواته، وقال القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء الحنبلي، سئل بعض أصحابنا عن الخصر هل مات؟ فقال نعم، وقال وبلغني مثل هذا عن أبي طاهر بن الغباري، وقال وكان يحتج بأنه لو كان حيا لجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك ما نقله ابن الجوزي في العجالة، فإن قيل، فهل يقال إنه كان حاضرا في هذه المواطن كلها؟

ولكن لم يكن أحد يراه، فإن الجواب هو أن الأصل عدم هذا الاحتمال البعيد، الذي يلزم منه تخصيص العموميات بمجرد التوهمات، ثم ما الحاصل له على هذا الاختفاء، وظهوره أعظم لأجره وأعلى في مرتبته، وأظهر لمعجزته؟ ثم لو كان باقيا بعده لكان تبليغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحاديث النبوية، والآيات القرآنية، وإنكاره لما وقع من الأحاديث المكذوبة، والروايات المقلوبة، والآراء البدعية، والأهواء العصبية، وقتاله مع المسلمين في غزواتهم، وشهوده جمعه وجماعاتهم، ونفعه إياهم، ودفعه الضرر عنهم ممن سواهم، وتسديده العلماء والحكام، وتقريره الأدلة والأحكام، أفضل ما يقال عنه من كنونه في الأمصار، وجوبه الفيافي والأقطار، واجتماعه بعباد لا يعرف أحوال كثير منهم، وجعله لهم كالنقيب المترجم عنهم.