السيدة خديجة بنت خويلد ” جزء 5″

الدكرورى يكتب السيدة خديجة بنت خويلد ” جزء 5″

بقلم/ محمـــد الدكـــرورى 

السيدة خديجة بنت خويلد ” جزء 5″

 

ونكمل الجزء الخامس مع السيدة خديجة بنت خويلد، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع بني هاشم وبني عبد المطلب إلى شعاب مكة في عام المقاطعة، لم تتردد رضي الله عنها في الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتشاركه على كبر سنها، أعباء ما يحمل من أمر الرسالة الإلهية التي يحملها، فقد نأت بأثقال الشيخوخة بهمة عالية، وكأنها عادت إليها صباها، وأقامت في الشعاب ثلاث سنين وهي صابرة محتسبة للأجر عند الله تعالى، وكأن الله اختصها بشخصها لتكون سندا وعونا للرسول صلى الله عليه وسلم، في إبلاغ رسالة رب العالمين الخاتمة، فكما اجتبى الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم، واصطفاه من بين الخلق كافة، كذلك قدَّر له في مشوار حياته الأول لتأدية الرسالة العالمية مَن تضارعه أو تشابهه لتكون شريكا له.

في حمل هذه الدعوة في مهدها الأول، فآنسته وآزرته وواسته بنفسها ومالها في وقت كان الرسول صلى الله عليه وسلم، في أشد الاحتياج لتلك المواساة والمؤازرة والنصرة، وقد واكبت السيده خديجة نزول الوحي قرآنا وتكليفا، فحين علم جبريل النبي الوضوء والصلاة قبل فرضها خمس صلوات، صلت مع النبي في نفس يوم تعليم جبريل له، وقد رُوي أن جبريل ظهر للنبي أول ما أوحي إليه في أحسن صورة وأطيب رائحة وهو بأعلى مكة فقال يامحمد، إن الله يقرئك السلام، ويقول لك أنت رسولي إلى الجن والإنس فادعهم إلى قول لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ثم ضرب الأرض برجله فانبعثت عين ماء.

فتوضأ منها جبريل عليه السلام ورسول الله ينظر إليه، ليريه كيفية الطهور للصلاة، ثم أمره أن يتوضأ كما رآه يتوضأ، ثم قام جبريل يصلي مستقبلا الكعبة، ثم أمره أن يصلي معه فصلى ركعتين، ثم عُرج به إلى السماء ورجع قالب صلى إلى أهله، فكان لا يمر بحجر إلا قال السلام عليك يارسول الله، فسار حتى أتى خديجة فأخبرها، فغشي عليها من الفرح، ثم أخذ بيدها حتى أتى بها زمزم، فتوضأ حتى يريها الوضوء، ثم أمرها فتوضأت، وصلى بها كما صلى به جبريل عليه السلام، وبهذا كانت خديجة أول من آمن، وأول من ثبت، وأول من توضأ وأول من صلى.

وقال شهاب الدين القسطلاني، كان أول من آمن بالله وصدق صديقة النساء خديجة، فقامت بأعباء الصديقية، قال لها عليه السلام، خشيت على نفسي، فقالت له أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا، ثم استدلت بما فيه من الصفات والأخلاق والشيم على أن من كان كذلك لا يخزى أبدا فكانت خديجة أول من آمنت بالرسول من النساء والرجال، وعن أبي رافع قال نبيء رسول الله يوم الإثنين، وصلت خديجة آخر يوم الإثنين، وقال ابن إسحاق كانت خديجة بنت خويلد أول من آمن بالله ورسوله وصدق بمحمد فيما جاء به، ووازرته في أمرة، واتفق العلماء على أن خديجة أول من آمنت.

والسيدة خديجة بنت خويلد رضى الله عنها، هى خير نساء الجنة، ولا شك أن امرأة بمثل هذه الأوصاف لا بد أن يكون لها منزلة رفيعة، فها هو الرسول صلى الله عليه وسلم، يعلن في أكثر من مناسبة بأنها خير نساء الجنة، فقد روي عن أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال “حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون” وليس هذا فحسب، بل كان يقرئها المولى عز وجل السلام من فوق سبع سموات، ويبشرها ببيت من قصب في الجنة، فعن أبي هريرة رضى الله عنه أنه قال أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم.

فقال يا رسول الله هذه خديجه قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا أتتك فأقرأ عليها السلام من ربها ومنى وبشرها ببيت فى الجنه من قصب لا صخب فيه ولا نصب ” فكان حقا أن يكون لهذه الطاهرة فضل ومكانة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، تسمو على كل العلاقات، وتظل غُرة في جبين التاريخ عامة وتاريخ العلاقات الأسرية خاصة، إذ لم يتنكر صلى الله عليه وسلم، لهذه المرأة التي عاشت معه حلو الحياة ومرها، بل ويعلنها على الملأ وبعد وفاتها، وفاء لها وردا لاعتبارها، فقال صلى الله عليه وسلم “إني قد رزقت حبها” ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إنه صلى الله عليه وسلم لم يكد ينساها طيلة حياته وبعد وفاتها، إذ كان يكثر ذكرها ويتصدق عليها.