الدكروري يكتب عن السيدة فاطمة الزهراء بنت محمد ” جزء 10″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
السيدة فاطمة الزهراء بنت محمد ” جزء 10″
ونكمل الجزء العاشر مع السيدة فاطمة الزهراء بنت محمد، والروايات يذكرها ابن حجر ويبين معانيها في الفتح، فقد ذكر أن فيما رواه أحمد وأبو داود أن فاطمة أرسلت إلى أبي بكر أنت ورثت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أهله؟ قال بل أهله، قالت فأين سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “إن الله إذا أطعم نبيا طعمة ثم قبضه جعلها للذي يقوم من بعده” فرأيت أن أرده على المسلمين، قالت فأنت وما سمعته، قال فهذا لا يعارض ما في الصحيح من صريح الهجران، ولا يدل على الرضا، ثم ذلك فيه لفظة منكرة، وبعد ذلك ذكر رواية الشعبي عند البيهقي أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه عاد السيدة فاطمة الزهراء، أي زارها، فقال لها الإمام علي هذا أبو بكر يستأذن عليك، قالت أتحب أن آذن له؟ قال نعم، فأذنت له فدخل عليها فترضاها حتى رضيت.
وقال ابن حجر وهو وإن كان مرسلا فإسناده إلى الشعبي صحيح، وبه يزول الإشكال في جواز تمادي السيدة فاطمة في هجر أبي بكر الصديق رضى الله عنهم أجمعين، وقال بعض الأئمة إنما كان هجرها انقباضا عن لقائه والاجتماع به، وليس ذلك من الهجران المحرم، فإن شرطه أن يلتقيا فيعرض هذا ويعرض هذا، وكأن فاطمة لما خرجت رضي الله عنها من عند أبي بكر رضي الله عنها تمادت في اشتغالها بحزنها ثم بمرضها، وأما سبب غضبها مع احتجاج أبي بكر بالحديث فلاعتقادها تأويل الحديث على خلاف ما تمسك به أبو بكر، وكأنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله “لا نورث” ورأت أن منافع ما خلفه من أرض وعقار لا يمتنع أن تورث عنه، وتمسك أبو بكر الصديق بالعموم رضي الله عنه، فهل في مثل هذا الفقه ما يثيره أولئك القوم من هذه الفتن والمحن.
التي يجترءون بها على مقام صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذمون من ثبت في القرآن مدحهم والثناء عليهم، ونحن نعرف في هذا أقوالاً كثيرة، حتى إن ابن حجر رحمه الله أفاض فيها وذكرها، ومن ذلك في هذا السياق ما ذكر في الصحيح أيضا أنه لما ماتت السيدة فاطمة رضي الله عنها دفنها علي ليلا لم يؤذن بها أبا بكر الصديق، فقالوا ذلك خصومة، وذلك لئلا يصلي عليها أبو بكر وغير ذلك، لكن ماذا قال أهل العلم؟ قالوا كان ذلك بوصية منها لإرادة الزيادة في التستر، ولعله لم يعلم علي أبا بكر بموتها لأنه ظن أن ذلك لا يخفى عليه، وليس في الخبر ما يدل على أن أبا بكر لم يعلم بموتها ولا صلى عليها، والإمام علي بن أبى طالب قد بايع أبا بكر الصديق وكان الناس قريبا منه، ورجع إلى المعروف رضي الله عنه وأرضاه بعد موت السيدة فاطمة وأعلن بيعته.
ولم يكن في تركه للبيعة قبل موتها شق عصا ولا مخالفة، ولا إبطال لهذه البيعة، لكنه احترم شعور فاطمة وحزنها، وانشغل بها حتى قضى الله ذلك الأمر، قال المازري رحمه الله العذر للإمام علي في تخلفه مع ما اعتذر هو به أنه يكفي في بيعة الإمام أن يقع من أهل الحل والعقد، ولا يجب الاستيعاب، ولا يلزم كل أحد أن يحضر عنده ويضع يده في يده، بل يكفي التزام طاعته والانقياد له بألا يخالفه ولا يشق العصا عليه، وهذا كان حال علي ، فلم يقع منه إلا التأخر عن الحضور عند أبي بكر ، وقد ذكر سبب ذلك، وأما رواية البخاري أن ذلك كان كراهية حضور عمر بن الخطاب، قالوا لأن عمر بن الخطاب كان رجلا صلبا شديدا، فخشوا من أن تكون المعاتبة وشدة القول في الأخذ والرد، وهم كانوا يريدون المصافاة، حتى إنه لما أراد أن يذهب قيل له لا تذهب إليهم.
فقال وما عساهم أن يفعلوا بي وقال الإمام علي رضي الله عنه في سياق هذا الحديث كلاما نفسيا رضي الله عنه وأرضاه، وقال أبو بكر كلاما نفيسا كذلك، فتشهد الإمام علي أي قال أشهد ألا إله إلا الله، واستفتح الكلام فقال إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله، ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك، ولكنك استبددت علينا بالأمر، وفي شرح ذلك قالوا إن عليا كان يرى أن بعض الأمور كان ينبغي أن يشهدها ويستشار فيها، وأبو بكر رضي الله عنه كان يرى جزم الأمر والإسراع فيه لئلا لا ينفرط الحبل، وعلي شغل برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالسيدة فاطمة من بعده، فلم يكن إلا ذلك، وقال الإمام علي رضي الله تعالى عنه وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبا، وقال الراوي كما جاء في صحيح البخاري، حتى فاضت عينا أبي بكر بكاء رضي الله عنه.