الدكرورى يكتب عن نبي الله داود عليه السلام ” جزء 14″
بقلم / محمـــد الدكـــــرورى
نبي الله داود عليه السلام ” جزء 14″
ونكمل الجزء الرابع عشر مع نبي الله داود عليه السلام، وكما قال الله تعالى ” يا جبال أوبي معه والطير” أي سبحي معه، وذلك أنه كان الله قد وهبه من الصوت العظيم ما لم يعطه أحدا، بحيث أنه كان إذا ترنم بقراءة كتابه يقف الطير في الهواء، يُرجع بترجيعه، ويسبح بتسبيحه، وكذلك الجبال تجيبه وتسبح معه، كلما سبح بكرة وعشيا عليه السلام، وقال الأوزاعي حدثني عبد الله بن عامر قال، أعطي داود من حُسن الصوت ما لم يعط أحد قط، حتى أن كان الطير والوحش ينعكف حوله، حتى يموت عطشا وجوعا، وحتى إن الأنهار لتقف، وقال وهب بن منبه كان لا يسمعه أحد إلا حجل كهيئة الرقص، وكان يقرأ الزبور بصوت لم تسمع الآذان بمثله، فيعكف الجن، والإنس، والطير، والدواب على صوته، حتى يهلك بعضها جوعا، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها.
قالت سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت أبي موسى الأشعري وهو يقرأ فقال ” لقد أوتي أبو موسى من مزامير آل داود” وقد كان داود مع هذا الصوت الرخيم، سريع القراءة لكتابه الزبور كما قال الإمام أحمد عن أبي هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” خفف على داود القراءة، فكان يأمر بدابته فتسرج، فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابته، وكان لا يأكل إلا من عمل يديه” والمراد بالقرآن ههنا هو الزبور، الذي أنزله الله تعالى عليه، وأوحاه إليه، وقد كان ملكا له أتباع، فكان يقرأ الزبور بمقدار ما تسرج الدواب، وهذا أمر سريع مع التدبر والترنم والتغني به على وجه التخشع، عليه السلام، وروى ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضى الله عنهما، أن رجلين تداعيا إلى داود في بقر، ادعى أحدهما على الآخر أنه اغتصبها منه.
فأنكر المدعى عليه، فأرجأ أمرهما إلى الليل، فلما كان الليل أوحى الله إليه أن يقتل المدعي، فلما أصبح قال له داود إن الله قد أوحى إلي أن أقتلك، فأنا قاتلك لا محالة، فما خبرك فيما ادعيته على هذا؟ قال والله يا نبي الله إني لمحق فيما ادعيت عليه، ولكني كنت اغتلت أباه قبل هذا، فأمر به داود فقتل، فعظم أمر داود في بني إسرائيل جدا وخضعوا له خضوعا عظيما، وقد ذكر كثير من المفسرين من السلف والخلف ههنا، قصصا وأخبارا أكثرها إسرائيليات، ومنها ما هو مكذوب لا محالة، تركنا إيرادها هنا قصدا اكتفاء واقتصارا على مجرد تلاوة القصة من القرآن العظيم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ويقول الله عز وجل ” فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب” أي إن له يوم القيامة لزلفى، وهي القربة التي يقربه الله بها.
ويدنيه من حظيرة قدسه بسببها، كما ثبت في حديث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلسا إمام عادل، وإن أبغض الناس إلى الله يوم القيامة وأشدهم عذابا إمام جائر” وقال ابن أبي حاتم حدثنا جعفر بن سليمان، سمعت مالك بن دينار في قوله ط وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب” قال يقوم نبى الله داود يوم القيامة عند ساق العرش، فيقول الله تعالى يا داود مجدني اليوم بذلك الصوت الحسن الرخيم، الذي كنت تمجدني في الدنيا، فيقول داود وكيف وقد سلبته؟ فيقول الله عز وجل إني أرده عليك اليوم، قال فيرفع داود بصوت يستفرغ نعيم أهل الجنان، وكما كان هناك الخطاب من الله تعالى مع داود، والمراد ولاة الأمور، وحكام الناس، وأمرهم بالعدل، واتباع الحق المنزل من الله تعالى.
لا ما سواه من الآراء والأهواء، وتوعد من سلك غير ذلك، وحكم بغير ذلك، وقد كان نبى الله داود هو المقتدى به في ذلك الوقت في العدل، وكثرة العبادة، وأنواع القربات، حتى إنه كان لا يمضي ساعة من آناء الليل وأطراف النهار إلا وأهل بيته في عبادة ليلا ونهارا، وعن أبي الجلد قال قرأت في مسألة نبى الله داود عليه السلام أنه قال يا رب كيف لي أن أشكرك، وأنا لا أصل إلى شكرك إلا بنعمتك، قال، فأتاه الوحي أن يا داود ألست تعلم أن الذي بك من النعم مني؟ قال بلى يا رب، قال فإني أرضى بذلك منك، وكان لنبى الله داود عليه السلام حكم ومواعظ درر، وقيل أنه جهر بالحق، وقد أبلغ جهرا، فجهر بظلم الخصم جهرا لا محاباة فيه، وأنه عرف الباغي ظلمه، وحيفه، وأن سيف العدل فوقه، ثم نفس عن المظلوم البائس بذكر ما عليه الأكثر.