أمك ثم أمك ثم أمك ” جزء 2″

الدكرورى يكتب عن أمك ثم أمك ثم أمك ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

أمك ثم أمك ثم أمك ” جزء 2″

ونكمل الجزء الثاني مع أمك ثم أمك ثم أمك، وذلك بالإحسان إليها قولا وفعلا بالمال والبدن، تمتثل أمرها في غير معصية الله، وتلين لها القول وتبسط لها الوجه وتقوم بخدمتها على الوجه اللائق بها، ولا تتضجر منها عند الكبر والمرض والضعف ولا تستثقل ذلك منها ولا تقل لها أف ولا تنهرها وتذكر أنك ستبلغ الكبر عند أولادك كما بلغاه عندك وسوف تحتاج إلى البر فإن قمت ببرها فأبشر بالأجر العظيم والمجازاة بالمثل، فمن بر والديه بره أولاده ومن عق والديه عقه أولاده والجزاء من جنس العمل، فكما تدين تدان، فقد رأى ابن عمر رجلا قد حمل أمه على رقبته، وهو يطوف بها حول الكعبة، فقال يا ابن عمر؟ أترانى جازيتها؟ قال له بن عمر، ولا بطلقة من طلقاتها ولكن قد أحسنت والله يثيبك على القليل كثيرا، واعلم أن من عق أمه.

فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة ولا يقبل منه عمل، فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان، وثلاث لا يدخلون الجنة العاق لوالديه، والديوث، والرّجلة” رواه النسائي والحاكم، وتأمل كيف وصى الله سبحانه وتعالى عباده الصالحين وكيف قرن عبادته بحق الوالدين لعظم شأنهما وتقديرهما، فقال تعالى فى سورة الإسراء ” وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب أرحمهما كما ربياني صغيرا” فتأمل رحمة الله حال صغرك وتذكر ضعفك أثناء طفولتك، فقد حملتك أمك في أحشائها تسعة أشهر وهنا على وهن.

حمتلك كرها ووضعتك كرها ولا يزيدها نموك إلا ثقلا وضعفا وعند الوضع رأت الموت بعينها ولما بصرت بك إلى جنبها سرعان ما نسيت كل آلامها، وعلقت فيك جميع آمالها رأت فيك بهجة الحياة وزينتها، فإن الأم برها من الأمور التي جبل الله عليها بني آدم وفطرهم عليها وقد اتصف الأسوياء منهم وأكملهم وهم الأنبياء والمرسلون ومن بعدهم من العباد الصالحون فهذا نبى الرحمة والشفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي عام الحديبية وقد مر بالأبواء حيث دفنت أمه ومعه أصحابه فيذهب لزيارة قبرها فيبكي ويبكي من حوله فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم” استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي، وأستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الآخرة” رواه مسلم، وهذا نبى الله يحيى عليه السلام، يحوز ثناء الله تعالى.

ويمدحه بوصفه عظيم البر، وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا، وقد ذكر الله سبحانه دعاء الأنبياء لوالديهم في غير ما آية من كتابه الكريم ومن ذلك دعاء نبى الله نوح عليه السلام فقد قال رب أغفر لي ولوالدى ولمن دخل بيتي مؤمنا، ومن دعاء نبى الله الخليل إبراهيم عليه السلام ربنا أغفر لي ولوالدى وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، ومن عظيم البر لسلفنا الصالح فقد كان أبو هريرة رضى الله عنه إذا أراد الخروج وقف على باب أمه فيقول السلام عليك يا أماه، فتقول وعليك السلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته، فيقول رحمك الله كما ربيتني صغيرا، فتقول رحمك الله كما بررتني كبيرا، وهذا محمد بن المنكدر رحمه الله كان يضع خده على الأرض ثم يقول لأمه ضعي قدمك على خدي، وأراد ابن الحسن التميمى قتل عقرب، فدخلت في حجر فأدخل أصابعه خلفها.

فلدغته فقيل له في ذلك؟ قال خفت أن تخرج فتجئ إلى أمي تلدغها، وكان زين العابدين من أبر الناس بأمه وذلك لأنه لا يأكل معها في صحنه وعندما قيل له في ذلك قال أخاف أن تسبق يدى إلى ما تشتهيه فأكون قد عققتها، وإن من العجب العجاب أن ترى أنسانا قد أحاطت به الأرزاق من كل جانب وارتفع مستواه الاجتماعى والمادى والمعنوى وعاش فى الترف وطغا وبغا وتكبر على أمه وأعمت الدنيا بصره وطمست على قلبه وعق أمه بسبب الحرص على الدنيا وحب الشهوات والزوجة الحسناء التي لا تفقه في دينها ولا دنياها وقد أجاد الكثير في ذلك حيث تبرأ أحدهم من أمه وألقى بوالدته المراكز الاجتماعية، وقذف أحدهم والدته عبر الطرقات، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خير التابعين أويس القرنى الذي لو أقسم على الله لأبره وذلك لبره بأمه، وغير ذلك من صور البر العظيمة.