من دارفور ل بورتسودان.. السودان يحترق وتقارير دولية تكشف فظائع الحرب المنسية

من دارفور ل بورتسودان.. السودان يحترق وتقارير دولية تكشف فظائع الحرب المنسية

تعود الحرب المنسية في السودان إلى دائرة الضوء مجددًا، بعدما بدأت وسائل الإعلام الدولية تسلط اهتمامها على ما يشهده هذا البلد من تصاعد خطير في العنف وتدهور مأساوي للأوضاع الإنسانية، وذلك رغم هيمنة قضايا كبرى على العناوين العالمية، من بينها محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والحرب المتواصلة في غزة، وأخيرًا تصاعد التوتر بين الهند وباكستان.

 

سودانيون منهكون يفرون إلى تشاد صحيفة الشرق الأوسط ذكرت في افتتاحيتها أن محاولة اغتيال ترامب، وحربي السودان وغزة، هيمنت على جوائز بوليتزر الصحفية هذا العام. وأشارت الصحيفة إلى أن لجنة الجائزة منحت فئة أفضل التقارير الدولية إلى صحيفة نيويورك تايمز ومراسلها ديكلان، عن تغطيتهما الميدانية للنزاع في السودان، خاصة فيما يتعلق بتجارة الذهب غير المشروعة والنزاعات المحلية المعقدة التي تُفاقم معاناة المدنيين.

 

وفي تقرير بعنوان “سودانيون منهكون يفرون إلى تشاد”، حذرت الأمم المتحدة من فرار ما يقارب 20 ألف لاجئ سوداني إلى الأراضي التشادية خلال أسبوعين فقط، وسط تقارير مقلقة عن تعرضهم للعنف وسوء المعاملة على الحدود، كما تعرضت مدينة بورتسودان لهجمات بطائرات مسيّرة استهدفت مطار المدينة ومحطة الكهرباء، ما يهدد بإعاقة عمليات إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى المناطق المتضررة.

 

من جهتها، نوهت صحيفة الجارديان البريطانية إلى أن وحدة جرائم الحرب في سكوتلانديارد، شرطة لندن، تسلمت ملفًا من 142 صفحة يُوثّق الفظائع والانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في إقليم دارفور، ويشمل الملف شهادات وأدلة تتعلق بجرائم قتل وتعذيب واغتصاب جماعي، وقد أعده فريق قانوني مقره العاصمة البريطانية لندن، بهدف دعم تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية.

 

وأكد المحامون الذين أعدوا الملف أن قيادة قوات الدعم السريع تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم بموجب مبدأ “المسؤولية القيادية”، وهو ما قد يفتح الباب أمام محاكمات دولية مستقبلية.

 

الحرب الأهلية المستمرة بالسودان تأخذ منحنى أكثر عنفًا وفي تقرير آخر لوكالة بلومبرج، حذرت من أن الحرب الأهلية المستمرة في السودان تأخذ منحنى أكثر عنفًا مع كل يوم، ما ينذر بمزيد من البؤس والمعاناة لشعب أنهكته الصراعات منذ عقود، مشيرًا إلى أن التصعيد الأخير في العمليات العسكرية يعمق الكارثة الإنسانية على الأرض، ويزيد من تعقيد جهود الوساطة والمساعي الدولية لتحقيق السلام في السودان وشمال إفريقيا بشكل عام.

 

وسط هذا التدهور المتسارع، لا تزال الحرب في السودان تغيب عن الصفحات الأولى في معظم الصحف العالمية، رغم بشاعة الفظائع المرتكبة واتساع رقعة المعاناة الإنسانية، ما يطرح تساؤلات حول المعايير التي تحكم أولويات الإعلام الدولي، ومدى الإنصاف الذي يحظى به الشعب السوداني في رواية مأساته إلى العالم.

 

خبير: الميليشيات تستهدف المدنيين ببورتسودان وتحاصر الفاشر ومن جانبه، أكد الكاتب والباحث السياسي السوداني، مصعب محمود، أن القوات المسلحة السودانية تعاملت بحسم مع الهجمات التي نفذتها الطائرات المسيّرة التابعة للميليشيات المسلحة على مدينة بورتسودان، عاصمة ولاية البحر الأحمر، موضحًا أن هذه الاعتداءات استهدفت بشكل أساسي منشآت مدنية، وهو ما يشكّل “اعتداءً صريحًا على الشعب السوداني ومقدراته”.

 

وقال محمود، خلال مداخلة عبر قناة “القاهرة الإخبارية”، إن الهجمات الجوية التي تتعرض لها بورتسودان منذ أربعة أيام متتالية، أصابت منشآت حيوية مثل مطار المدينة ومستودعات النفط، إضافة إلى فنادق مدنية، مشيرًا إلى أن هذه الأعمال لاقت استنكارًا شعبيًا واسعًا، لا سيما بعد تعرض السفارة المصرية وطواقمها الدبلوماسية لاحتكاكات أمنية خطيرة بالمدينة، رغم كونها منطقة تستضيف البعثات والمنظمات الدولية.

 

وأشار إلى أن الهجمات طالت صباح اليوم أيضًا ميناء سواكن المدني، الذي يُستخدم حاليًا في عمليات نقل الحجاج إلى الأراضي المقدسة، مؤكدًا أن القوات المسلحة السودانية أسقطت المسيّرات دون وقوع خسائر، مما يؤكد يقظتها في حماية البنى التحتية المدنية.

 

وردًا على سؤال بشأن تأثير هذه الهجمات على جهود الإغاثة، قال محمود إن الميليشيات “لا تُعير أي اهتمام للجوانب الإنسانية”، وأنها تستهدف مناطق تُعد شريانًا رئيسيًا لوصول المساعدات، رغم استمرار وصول قوافل إنسانية عبر البحر، مشيرًا إلى وصول باخرة إغاثية بالأمس إلى بورتسودان.

 

وأوضح أن التقارير الدولية، ومن بينها الأمم المتحدة، حذرت من فرار نحو 20 ألف لاجئ من دارفور إلى تشاد خلال أسبوعين، في ظل استمرار حصار مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، معتبرًا أن ما يجري هناك يمثل “أكبر جريمة إنسانية مستمرة في البلاد”.

 

وفي سياق المحاسبة، قال محمود إن السلطة القضائية السودانية بدأت بالفعل إجراءات محاكمة أولية ضد عدد من قادة الميليشيات، بينهم قائدها الميداني في غرب دارفور وشقيقه ووالي ونائب والي الولاية، إلى جانب 16 متهمًا آخرين، وذلك في جريمة اغتيال والي غرب دارفور ومجازر طالت أكثر من 15 ألفًا من قبيلة المساليت.

 

وأكد أن الجهود الدولية أيضًا تشهد حراكًا متصاعدًا، مشيرًا إلى تقديم ملفات قانونية في بريطانيا لدعم المحاسبة أمام المحاكم الدولية، لكنه شدد على أن “المحاكمة الحقيقية هي محاكمة أخلاقية”، إذ لا مكان للميليشيا، حسب وصفه، في مستقبل السودان، سواء في العملية السياسية أو أي مفاوضات قادمة.