بعد فشل إسقاط النظام.. هل ينجح مخطط تقسيم إيران؟

بعد فشل إسقاط النظام.. هل ينجح مخطط تقسيم إيران؟

في ظل تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، تتجه بعض الدوائر السياسية في واشنطن وتل أبيب نحو استراتيجية خطرة تقوم على تفكيك إيران من الداخل عبر اللعب على وتر التعددية الإثنية.

 

هذه الرؤية، التي تدعمها مراكز أبحاث محافظة وأطراف في البرلمان الأوروبي، تهدد بإشعال سلسلة من الأزمات الإقليمية، وتكشف عن جهل عميق بتركيبة المجتمع الإيراني وبقوة القومية الوطنية التي توحده.

 

دعوات التفكيك

بعد فشل إسقاط النظام.. هل ينجح مخطط تقسيم إيران؟

بحسب مجلة responsiblestatecraft الأمريكية في تقرير نشر الثلاثاء 1 يوليو 2025، فإنه رغم فشل سياسات تغيير الأنظمة في المنطقة، لا تزال بعض المؤسسات الغربية تتبنى سيناريوهات خطيرة لتقسيم الدول المخالفة لسياساتها.

 

ومؤخرًا، بدأ مركز Foundation for Defense of Democracies (FDD) ومناصرون له في أوروبا يروجون لفكرة تفكيك إيران على أسس عرقية، معتبرين تنوعها الإثني نقطة ضعف يمكن استغلالها لصالح مشروع إقليمي أوسع.

 

أذربيجان الإيرانية

 

في ذروة التصعيد بين إيران وإسرائيل في يونيو، دعت الباحثة بريندا شافر، المعروفة بقربها من مصالح أذربيجان، إلى استغلال تركيبة إيران السكانية كوسيلة لإضعافها.

 

شافر التي لم تفصح عن علاقاتها بشركة النفط الأذرية (SOCAR)، تروج منذ سنوات لانفصال مناطق مثل أذربيجان الإيرانية ، مقارنةً بما حدث في يوغوسلافيا.

 

التحريض الإعلامي

 

دعوات شافر لم تكن معزولة، بل انسجمت مع خطاب إعلامي إسرائيلي واضح. فقد نشرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية افتتاحية تدعو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتبني سياسة علنية تهدف لتفكيك إيران.

 

ودعت الصحيفة لتشكيل تحالف شرق أوسطي يمنح ضمانات أمنية للمناطق الكردية والبلوشية والسنية إذا ما انفصلت عن طهران.

 

مستقبل إيران

 

في أوروبا، استضافت ناطقة باسم كتلة ليبرالية في البرلمان الأوروبي لقاءً حول مستقبل إيران ، ضم فقط معارضين إثنيين من أذربيجان الأهوازية.

 

وبما أن البرلمان الأوروبي قطع علاقاته مع إيران منذ 2022، فقد أصبح منبرًا لجماعات منفية راديكالية، كالمجاهدين (MEK) والانفصاليين العرقيين.

 

الوهم الغربي

 

ما يغيب عن هذه التصورات هو أن إيران ليست كيانًا هشًّا على شفا الانهيار، بل دولة تضم أكثر من 90 مليون نسمة، تجمعهم هوية وطنية وتاريخ ممتد. ورغم التعددية الإثنية، من أذريين وبلوش وعرب وأكراد، فإن ما يوحّد الإيرانيين هو شعور قومي راسخ.

 

ويشير الباحث شيروين ملك زاده إلى أن السياسة في إيران تبدأ بفكرة إيران كأمة ذات تاريخ متواصل غير منقطع. ويضيف أن القومية الإيرانية تشكل الأرضية التي تتنافس فوقها التيارات السياسية المختلفة، من الملكيين إلى الإسلاميين واليساريين.

 

الضغط الخارجي يعزز اللحمة الوطنية

 

محاولات الضغط الأجنبي، سواء عبر العقوبات أو التهديدات أو الهجمات، لم تؤدِ إلى تفكيك إيران، بل عززت من تماسكها الداخلي. ولعل أبرز دليل على فشل الرهانات الانفصالية هو أن اثنين من المسؤولين الإيرانيين اليوم، المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس مسعود پزشكيان، هما من أصل أذري.

 

الأهم أن الضربات الإسرائيلية، بدلًا من تحفيز انفصال الأذريين، أدت إلى الالتفاف حول العلم ، بما في ذلك في مدينة تبريز، عاصمة إقليم أذربيجان الإيرانية.

 

انفصال تبريز

 

مدينة تبريز نابضة بالهوية الإيرانية. ففيها يقع بيت الدستور ، الذي يحتفل بثورة 1906 الدستورية، وهي لحظة محورية في بناء الدولة الإيرانية الحديثة. كما يحتضن متحف أذربيجان آثارًا تؤكد عمق ارتباط المدينة بالهوية الوطنية الإيرانية.

 

على عكس التصورات الغربية، لا تُظهر تبريز أي رغبة جماهيرية في الانفصال. بل تُعد مثالاً على اندماج القوميات في إطار الدولة، حيث يطالب الناشطون الثقافيون الأذريون هناك بحقوق لغوية وثقافية، لا بانفصال سياسي.

 

المشروع التفكيكي

 

إن الرهان على تحفيز النزعات الانفصالية داخل إيران يعكس سوء تقدير صارخ للواقع الإيراني. وهو أيضًا استنساخ لأخطاء كارثية وقعت في العراق وسوريا.

 

الطروحات التي تتجاهل الوطنية الإيرانية، وتفترض استعداد الأقليات للتمرد عند أول فرصة، هي أوهام قد تقود إلى كوارث إنسانية وسياسية جديدة في الشرق الأوسط.