ملامح يومي المبعثرة

ملامح يومي المبعثرة

بقلم: صفاء الليثي

ملامح يومي المبعثرة

 

أحيانًا أشعر أن الأيام تمسك بيدي لتسحبني نحو مجهول لا يشبهني.

كل شيء حولي يتحرّك في دوائر صغيرة من الحزن والفرح، من الرجاء والخذلان،

كأن الدنيا قرّرت أن تضعني في منتصف طريق لا رجعة فيه،

حيث تتقاطع الضحكات مع الدموع، ويصبح السكون أصدق من الكلام.

 

صرت أعيش أيامي بوعيٍ هادئ، فيه تعب جميل يشبه الرضا،

وأحيانًا بشيء من الغضب المكبوت الذي لا أملك تفسيره.

أستيقظ على ضوء خافت، أُحضّر كوب من الشاي كأنه طقس مقدّس،

أفتح النافذة فأجد الصباح كما هو — لا جديد فيه إلا أنني ما زلت هنا،

أتنفّس وأفكّر وأحلم رغم كل ما تهشّم داخلي.

 

الحياة غريبة في تقلباتها…

تمنحك لحظة دافئة، ثم تسرقها منك دون إنذار.

تقرّب إليك أشخاصًا تظنّهم وطنًا، ثم تكتشف أنهم كانوا محطة مؤقتة في طريق طويل.

تعلمت ألّا أُعلّق أملي على أحد، ولا أُغلق بابي في وجه أحد.

أدعُ الحياة تمرّ كما تشاء، دون مقاومة، دون خوف،

كمن يجلس على شاطئ بعيد ويراقب الموج وهو يذهب ويعود،

يحمل الذكريات ويفرغها، ثم يبدأ من جديد.

 

لم أعد أبحث عن الفرح الصاخب،

يكفيني أن أجد لحظة راحة بين صخب الأيام،

أن أضحك من قلبٍ صادق، ولو مرة كل حين.

الفرح الحقيقي صار في التفاصيل الصغيرة التي لا يلتفت إليها أحد:

نغمة أغنية قديمة، رائحة المطر، نظرة طفل تذكّرك أن الحياة أبسط مما تظنين.

حتى الحزن، صار له وجه مألوف لا يرعبني كما كان.

أصبحت أقبله ضيفًا خفيفًا، أجلسه بجانبي قليلًا ثم أواصل طريقي.

 

أحيانًا أتأمل كل ما مرّ بي، فأبتسم رغم الألم.

ليست القوة في أن نتجاوز، بل في أن نظلّ قادرين على الحلم بعد كل خيبة.

تعلّمت أن أترك ما يرحل، وأن أؤمن بأن الله لا يخذل من صبر.

كل ما تأخر سيأتي في وقته المناسب،

وكل ما انكسر فيّ سيُرمم بطريقة لا أفهمها، لكني أثق أنها الأجمل.

 

أنا لا أدّعي الكمال، ولا أبحث عنه.

أنا فقط أحاول أن أكون بخير،

أن أرتّب فوضاي الداخلية على مهل،

أن أجد نفسي وسط زحمة التفاصيل،

أن أتعلم من الحياة بدل أن أعاتبها.

أؤمن أن الوجع جزء من التكوين،

وأن الحنين لا يُمحى لكنه يهدأ.

 

ورغم كل ما يحدث، ما زلت أختار الأمل.

أختار أن أصدق أن الغد يحمل شيئًا مختلفًا،

أن الله قادر أن يجعل من العتمة طريقًا للنور.

فليظلّ كل شيء كما هو قليلًا — اللخبطة، التعب، الحنين، الأمنيات المؤجلة —

فربما في هذا المزيج سرّ البقاء،

وسرّ الجمال الذي لا يراه إلا من تذوّق طعم الصبر.

#صفاء_الليثي #خاطرة_اليوم #مصر_الآن