الدب الروسي يعود.. كيف استعاد بوتين سوريا بعد الأسد؟

الدب الروسي يعود.. كيف استعاد بوتين سوريا بعد الأسد؟

عندما أنهار نظام بشار الأسد لم تُنهِ علاقة موسكو بدمشق، ولم تُجبِر الكرملين على إعادة حساباته الاستراتيجية في الشرق الأوسط. روسيا، التي رعت بقاء النظام طيلة سنوات الحرب، تحركت بهدوء بعد سقوطه في ديسمبر 2024، وأبقت على حضورٍ عسكري محدود، ثم انتظرت اللحظة المناسبة لتعود بقوة أكبر.

 

وفي خطوة تهدف لتعميق العلاقات بين الجانبين، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن وفداً عسكرياً سورياً رفيع المستوى وصل إلى موسكو لإجراء مباحثات تتعلق بتعزيز التعاون الدفاعي بين البلدين. وذكرت الوزارة أن النقاشات تطرّقت إلى الخطوات العملية لتنفيذ مجالات التعاون الثنائي الواعدة، في إطار مرحلة جديدة من العلاقات بعد التغيّرات السياسية التي شهدتها سوريا. وفق ما نشرته صحيفة dailysabah ، الثلاثاء 28 أكتوبر 2025.

 

زيارات متبادلة

 

يرى مراقبون أن تأكيد وزيري الدفاع في الجانبين على استمرار التعاون العسكري يهدف إلى ضمان نفوذ روسيا في الشرق الأوسط خلال مرحلة ما بعد الأسد، مع محاولة التأقلم مع التغيرات السياسية في دمشق، وسط صراع على رسم مستقبل التوازنات الإقليمية. جاء هذا اللقاء بعد أسابيع قليلة من الزيارة التي أجراها الرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو، حيث جدّد التزامه بالحفاظ على جميع الاتفاقيات المُوقعة مع روسيا، بما يضمن استمرار الوجود العسكري الروسي في قاعدتي طرطوس وحميميم.

 

اللقاء الذي جمع الرئيس السوري أحمد الشرع بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو منتصف أكتوبر 2025 لم يكن دعوة لإعادة صياغة العلاقات، بل تأكيداً على أن النفوذ الروسي لن يتراجع، بل سيُعاد تشغيله وفق معادلة جديدة تفرضها مرحلة ما بعد الأسد.

 

الهيمنة العسكرية

 

أعلن الشرع خلال لقائه بوتين أن حكومته ستحترم كافة الاتفاقيات العسكرية الموقعة مع روسيا في عهد النظام السابق، وهو ما يعني أن موسكو ستبقى ممسكة بالملف العسكري السوري، وأن قاعدة حميميم في اللاذقية ستظل محور النفوذ الروسي على الساحل السوري. وفق ما نشره موقع meforum الثلاثاء 28 أكتوبر 2025.

 

القوات الروسية، الموجودة أصلاً في مناطق متوترة، تستعد لتوسيع انتشارها في محافظات الجنوب لضبط الأمن ومنع تفاقم التوترات. وفي بادرة ذات مغزى سياسي، تعهّد الشرع بتسليم المقاتلين الشيشان الذين انضموا إلى الجيش الانتقالي، ما يؤكد أن موسكو ترغب في توظيف الملف الأمني لتعزيز حضورها وشرعيتها لدى السلطة الجديدة.

 

عودة موسكو

 

لا تنحصر المصالح الروسية في سوريا بالميدان العسكري فقط، بل تمتد إلى ملفات اقتصادية واسعة، فالاستثمارات الروسية التي تعطلت في الفوضى الأخيرة تعود للواجهة من جديد.

 

شركة ستروي ترانس غاز المرتبطة بالكرملين ستستأنف العمل بمناجم الفوسفات في وسط البلاد إلى جانب تشغيل ميناء طرطوس الذي تمتلكه عبر عقد طويل الأمد. وتخطط روسيا لبدء عمليات التنقيب عن النفط والغاز في المياه السورية بالمتوسط.

 

حسابات روسيا

 

تدرك موسكو أن خسارة النظام السابق لا يجب أن تُترجم إلى خسارة سوريا نفسها، فالموقع الاستراتيجي للبلاد يجعلها بوابة نحو المتوسط، ونقطة نفوذ على حدود أوروبا الجنوبية، ومنصة لتعزيز الدور الروسي في ملفات الطاقة والأمن ومكافحة الإرهاب.

 

لذلك لم تتردد في التنسيق مع قوات الشرع خلال سقوط دمشق لتجنب أي اشتباكات قد تهدد استقرار العاصمة. بالنسبة للكرملين، دمشق ليست ورقة هامشية بل ركيزة لا يمكن التخلي عنها في ظل التحولات المتسارعة في الشرق الأوسط.

 

رهانات الشرع على موسكو

 

يسعى الشرع لبناء سلطة قوية قادرة على ضبط المشهد العسكري والفصائل المتعددة التي تشكل ما يسمى اليوم بالجيش السوري الانتقالي. ويعتمد بشكل كبير على الدعم الروسي لإعادة بناء المؤسسة العسكرية وتوحيد التشكيلات المقاتلة المتنافرة.

 

كما يرى أن التعاون مع موسكو يمنح حكومته حماية سياسية ويقوي موقفه التفاوضي إقليمياً. ولا يُغفل الشرع دور شقيقه ماهر، المقرّب ثقافياً وعائلياً من روسيا، والذي يعد العقل المدبر للسياسة الجديدة تجاه موسكو.

 

ردع إسرائيل

 

تسعى دمشق إلى استخدام الوجود الروسي كورقة للحد من الغارات الإسرائيلية على الجنوب السوري، غير أن التجربة تثبت أن موسكو تتجنب أي صدام مباشر مع تل أبيب، حتى عندما كانت قواتها منتشرة بكثافة خلال حكم الأسد. النفوذ الروسي قادر على التأثير السياسي، لكنه لا يغيّر ميزان الردع الفعلي في سماء سوريا.

 

تتركز الأولويات الأمريكية في سوريا على محاربة تنظيم داعش وتجنب الانخراط في الصراع الدائر. هذه المقاربة المترددة تمنح موسكو فرصة ذهبية لتعزيز حضورها العسكري والاقتصادي، بينما لا تزال واشنطن تقدّم تنازلات اقتصادية عبر تخفيف الضغط والعقوبات دون استراتيجية واضحة لضمان بقاء سوريا خارج الفلك الروسي. ومع عودة النفوذ الروسي، تبدو مهمة الولايات المتحدة في الحد من تأثير الكرملين أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.

 

صاحب نفوذ

 

تعود روسيا إلى سوريا اليوم ليس بوصفها قوة منقذة أو شريكاً جديداً، بل باعتبارها صاحب نفوذ قديم يستعيد موقعه الطبيعي. سوريا ما بعد الأسد تبدو مختلفة في شكل الحكم، لكنها تعتمد على الحليف ذاته الذي رافقها طوال عقود الحرب والاضطراب.

 

الشرع يكسب دعماً سياسياً وعسكرياً ضرورياً لتثبيت سلطته، بينما تحصل موسكو على ضمانة لاستمرار نفوذها الاستراتيجي في شرق المتوسط.