عن عبد الله بن أبي بكر ” جزء 3″

الدكرورى يكتب عن عبد الله بن أبي بكر ” جزء 3″ 

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع عبد الله بن أبي بكر الصديق، فهو مع علمه بخطورة الأعمال التي قام بها في مكة من تسمع لأخبار قريش، ورصد تحركاتها، ومن ثم توجهه ليلا إلى غار ثور، إلا أنه لم يترك خلفه أي خيط يقود قريشا إلى مكان اختباء النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، خاصة أن العيون قد تلاحقه في كل وقت وكل حين، علها تكشف ذاك السر الذي أقض مضجع قريش، ألا هو اختفاء النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وبعد ذلك فهو أنيس لهما في الغار ليلا، علاوة أنه كان يحضر لهما الطعام ليلا كما ورد في بعض كتب التاريخ، ومن هنا يتضح لنا جملة من الصفات الكريمة التي تجلت في شخص الصحابى الجليل عبدالله بن أبي بكر، وهي الذكاء والفطنة.

ومما ساعده في إنجاز مهماته تجاه النبي صلى الله عليه وسلم، ووالده على أكمل وجه، دون تعريضهما للخطر بكشف مكانهما، وكذلك سرعة الفهم والبداهة، التي أهلته أن يكون جنديا صالحا في صفوف الحق، ولا شك أن صفة الجرأة كذلك من الصفات التي تجلت في شخص عبدالله بن أبى بكر، فهو يذهب إلى ذلك الغار الموحش ليلا، ويعود ليلا وحيدا، وتقودنا هذه الصفة إلى صفة أخرى، وهي القوة الجسدية، والتي أهلته أن يعتلي جبل ثور، الذي ينسب إليه غار ثور على الأقل ست مرات خلال ثلاث ليال، وهي الفترة التي قضاها النبي صلى الله عليه وسلم، وصاحبه في الغار قبل إتمام مشوار الهجرة إلى المدينة المنورة، وصفة أخرى هي صفة الخداع للأعداء.

وهي عن طريق إيهامهم بوجوده ومبيته في مكة، مع أنه قضى ليله في الغار، وهذه الصفات مجتمعة، بجانب الإيمان والتقوى، وحب الله ورسوله، والاستعداد للتضحية، وكل ذلك قد جعلت من عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما جنديا مخلصا من جنود الدعوة، التي يبتغي رجالها رضوان الله سبحانه وتعالى، وحبه، والسعي إلى ثوابه، وقد ذكر أصحاب المغازي أنه رمي بسهم في حصار الطائف، فجرح، ثم اندمل ثم انتقض، فمات في خلافة أبيه في شوال سنة إحدى عشرة من الهجره، وروى الحاكم بسند له عن القاسم بن محمد، أن أبا بكر قال للسيده عائشة رضى الله عنها، أتخافون أن تكونوا دفنتم عبد الله بن أبي بكر، وهو حي؟ فاسترجعت، فقال أستعيذ بالله، ثم قدم وفد ثقيف.

فسألهم أبو بكر هل فيكم من يعرف هذا السهم؟ فقال سعيد بن عبيد أنا بريته ورشته، وأنا رميت به، فقال الحمد لله أكرم الله عبد الله بيدك، ولم يهنك بيده، قال ومات بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعين ليلة، وفيهم الهيثم بن عدي وهو واه، قالوا لما مات نزل حفرته عمر بن الخطاب، وطلحة وعبد الرحمن بن أبي بكر وكان يعد من شهداء الطائف، وقيل أن أبو بكر الصديق عندما أمر إبنه عبد الله أن يطلق زوجته ثم طلقها، فأنه لما سمعه أبو بكر وهو يقول فيها كلاما دليل على حبه لها وأنه مازال يحبها، فرق قلبه فقال أبو بكر لإبنه عبد الله ارجعها، فرجعها ومات وهي عنده ولها ميراثه، وكان موتة في شوال سنة إحدى عشر للهجرة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، بأربعين يوما.

 

 

 

 

ولقد جاء في بعض الروايات أن عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما، كان قد اشترى حُلة، اشتريت للنبي صلى الله عليه وسلم، ليكفن فيها، ثم تركت هذه الحلة، ولم يكفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذها عبدالله بن أبي بكر وقال لأحبسنها حتى أكفن فيها نفسي، ثم قال لو رضيها الله عز وجل لنبيه، لكفنه فيها، فباعها وتصدق بثمنها، وفي رواية أخرى عن السيده عائشة رضي الله عنها تذكر أن الحُلة إنما كانت في أصلها لعبدالله بن أبي بكر، وأحضرت ليكفن النبي صلى الله عليه وسلم فيها، ثم نزعت عنه صلى الله عليه وسلم حيث قالت ” أدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حُلة يمنيّة كانت لعبدالله بن أبي بكر، ثم نزعت عنه، وكفن في ثلاثة أثواب سحول يمانية، ليس فيها عمامة، ولا قميص” فرفع عبدالله الحلة، فقال أكفن فيها، ثم قال ” لم يُكفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكفن فيها، فتصدق بها ”

 

 

 

 

 

 

وفى النهايه فإن الزوج يحتل مكانة عظيمة في قلب زوجته، وإن فقدان الزوج لهو من أصعب البلايا التي تنزل بالزوجة في حياتها، فهي تفقد الخل والصاحب، والقلب الحاني عليها، ومن تستقيم به حياتها، وتقضى به حاجاتها، لذلك كان فراق عبدالله صعبا على قلب زوجته السيدة عاتكة بنت زيد، مع علمها بحبه الشديد لها، ولكثرة حبه لها اشترط عليها ألا تتزوج بعد موته مقابل أن يكتب لها مالا أو أرضا، وذلك لأمور عدة، منها غيرته عليها رضي الله عنه، مع حبه الشديد لها، ولطمعه أن تكون زوجته في الآخرة، لأن المرأة كما ورد تكون لآخر أزواجها في الدنيا في الجنة إن دخلوا جميعا الجنة بإذن الله تعالى، وهذا لما ورد في الحديث الشريف عن النبى صلى الله عليه وسلم ” أيما امرأة توفي عنها زوجها فتزوجت بعده، فهي لآخر أزواجها”