الدكرورى يكتب عن أبرهة بن الصباح الحبشي ” جزء 10″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
أبرهة بن الصباح الحبشي ” جزء 10″
ونكمل الجزء العاشر مع أبرهة بن الصباح الحبشي، مما قلل وسائل الانحلال الخلقي والطغيان العسكري والفلسفي في أرجائها، فهي وعلى ما كانت عليه من انحراف، كانت أقرب إلى الفطرة الإنسانية، وأدعى لقبول الدين الحق، إضافة إلى ما كان يتحلى به أهلها من نزعات حميدة كالنجدة والكرم، والعفة والإباء، والأمانة والوفاء، هذا إلى جانب موقع جزيرة العرب المميز، إذ كان موقعها الجغرافي وسطا بين تلك الأمم الغارقة التائهة، فهذا الواقع والموقع جعلها مؤهلة لنشر الخير وحمله إلى جميع الشعوب بسهولة ويسر، وبهذا تجلت الحكمة الإلهية في اختيار العرب وجزيرتهم مهدا للإسلام، إذ كانت بيئة أمية لم تتعقد مناهجها الفكرية بشيء من الفلسفات المنحرفة.
بل كانت أقرب لقبول الحق، والإذعان له، إضافة إلى أن اختيار جزيرة العرب مهداً للإسلام فيه دفع لما قد يتبادر إلى الأذهان من أن الدعوة نتيجة تجارب حضارية، أو أفكار فلسفية، ناهيك عن وجود البيت العتيق، الذي جعله الله تعالى أول بيت للعبادة، ومثابة للناس وأمنا، واللغة العربية وما تمتاز به، وهي لغة أهل الجزيرة، ولا بد من الإشارة إلى أن الله تعالى اختار العرب وفضلهم لتكون الرسالة فيهم ابتداء، وهذا تكليف أكثر مما هو تشريف حيث إن من نزل عليه الوحي ابتداء مكلف بنشره وأخذه بقوة، وليس هذا أيضا تفرقة بين العرب وغيرهم بل الكل لآدم وآدم من تراب، وأكرم الناس أتقاهم لله، ولهذا كان في الإسلام بلال الحبشي، وسلمان الفارسى.
ولذلك كله وغيره كان العرب أنسب قوم يكون بينهم النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، وكانت جزيرتهم أفضل مكان لتلقي آخر الرسالات السماوية، فالحمد لله الذي أكرم العرب بهذا الدين العظيم، وشرف جزيرتهم، فجعلها مهبط الوحي المبين، وقد نزلت فى هذه الواقعة سورة الفيل، حيث تعد سورة الفيل من السور المكية بإجماع الفقهاء والمفسرين، وبالتالي فقد نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة، وهي السورة التاسعة عشرة في ترتيب سور القرآن الكريم من حيث النزول، فقد نزلت بعد سورة الكافرون وقبل سورة الفلق، كما ورد أيضا أنها نزلت قبل سورة قريش حسب ما ذهب إليه الأخفش، وذلك لأن آخر آية في سورة الفيل يتعلق بأول آية في سورة قريش.
ولأن أبي بن كعب قرأهما سورة واحدة دون أن يفصل بينهما ببسملة، وذهب البعض إلى أنها قد تكون نزلت بعد الفلق، وقد سميت سورة الفيل بهذا الاسم لأنها تناولت قصة أصحاب الفيل، وقد سماها بعض السلف حسب ما ورد في بعض كتب التفسير والحديث سورة باسم “سورة ألم تر” فقد روى القرطبي في تفسيره لسورة قريش أن عمرو بن ميمون كان يصلي خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقرأ في ثاني ركعة سورة ألم تر أي سورة الفيل، وسورة لإيلاف قريش أي سورة قريش، وعنونها الإمام البخاري بنفس الاسم، إلا أنها في جميع المصاحف وجميع كتب التفسير تسمى سورة الفيل، وفى قصة أصحاب الفيل إظهار شرف الكعبة، وكيف أن الله تعالى تعهد بحفظها.
وزادها شرفا ورفعة، لأنها أو بيت وصع للناس، وأيضا فى قصة أصحاب الفيل إظهار كيد الكافرين والمشركين الذي يتآمرون على بيت الله الحرام، وكذلك بيان تعظيم مشركين العرب لبيت الله الحرام لأن فيهم من بقايا ديانة إسماعيل وإبراهيم عليهما السلام، وهم يعلمون جيدا مكانة هذا البيت وعظمته وقدسيته، وكذلك إظهار قدرة الله تعالى في قهر كل من يعتدي على حرماته، فالله تعالى لا يعجزه قوة أو عدد أو أي شيء، وكل شيء مسخر بامره، وظهر هذا واضحا في الفيل الذي رفض التوجه إلى الكعبة، وفي الطيور التي رمتهم بالحجارة، وإن تفسير آية “ألم تر كيف فعل ربك” في تفسير هذه الآية الكريمة التي افتتحت فيها سورة الفيل، أن الله تعالى حين قال” ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل”