الدكرورى يكتب عن أبرهة بن الصباح الحبشي ” جزء 9″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
أبرهة بن الصباح الحبشي ” جزء 9″
ونكمل الجزء التاسع مع أبرهة بن الصباح الحبشي، وإن تلك الحادثة كانت بمثابة إعلان بفساد كل من في الأرض، ليبعث الله عز وجل نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مبشرا ونذيرا، وإنه نظرا لعظمة ما حدث مع أصحاب الفيل عند محاولتهم هدم الكعبة المشرفة، فقد أطلق العرب على العام الذي وقعت به تلك الحادثة اسم عام الفيل، وأصبح تاريخا يرجع إليه الناس وينسبون السنين له، ومن أهم الأحداث التي قامت في عام الفيل أيضا هي ولادة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضى الله عنهما في نص الحديث الشريف أنه قال ” وُلد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثامن عشر من شهر ربيع الأول.
وفيه بُعث وفيه عُرج به إلى السماء وفيه هاجر وفيه مات” وبهذا يكون عام الفيل لدى المسلمين عاما مميزا ففيه حفظ الله عز وجل الكعبة وزادها عظمة وفيه ولد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ولقد كان مولد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم نذيرا بزوال دولة الشرك والظلم، وبداية لنشر الخير والعدل بين الناس، وكانت حادثة الفيل من دلائل وبشارات نبوته قبل مولده صلى الله عليه وسلم، ولقد كان يحكم العالم دولتان اثنتان، وهما الفرس والروم، ومن ورائهما اليونان والهند، ولم يكن الفرس على دين صحيح ولا طريق قويم، بل كانوا مجوسا يعبدون النيران, ويأخذون بمبادئ مذهبي الزرادشتية والمزدكية، فكلاهما انحرفتا عن طريق الفطرة والرشاد.
واتبعتا فلسفة مادية بحتة لا تقر بفطرة ولا تعترف بدين، فالزرادشتية مثلا تفضل زواج الرجل بأمه أو ابنته أو أخته، والمزدكية من فلسفتها حلّ النساء، وإباحة الأموال، وجعل الناس شركة فيها، كاشتراكهم في الماء والهواء والنار والكلأ، أما الروم فلم يكن أمرهم أفضل حالا، فعلى الرغم من كونهم على دين نبى الله عيسى عليه السلام، ولكنهم انحرفوا عن عقيدته الصحيحة، وحرفوا وبدلوا ما جاء به من الحق، فكانت دولتهم غارقة في الانحلال حيث حياة التبذل والانحطاط، والظلم الاقتصادي جراء الضرائب، إضافة إلى الروح الاستعمارية، وخلافهم مع نصارى الشام ومصر، واعتمادهم على قوتهم العسكرية، وتلاعبهم بالمسيحية وفق مطامعهم وأهوائهم.
ولما كان الأمر كذلك لم تكن القوتان الكبيرتان في العالم آنذاك قادرتين على توجيه البشرية نحو دين صحيح، ولم تكونا مؤهلتين لحمل رسالة عالمية تخرج الناس من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن ظلم العباد إلى عدل الواحد الديان، أما اليونان وشعوب أوربا فقد كانت تعيش حياة بربرية، تعبد الأوثان، وتقدس قوى الطبيعة، فضلا عن كونها غارقة في الخرافات والأساطير الكلامية التي لا تفيد في دين ولا دنيا، وأما بقية الشعوب في الهند والصين واليابان والتبت، فكانت تدين بالبوذية، وهي ديانة وثنية ترمز لآلهتها بالأصنام الكثيرة وتقيم لها المعابد, وتؤمن بتناسخ الأرواح، وإلى جانب تلك الأمم كان هناك اليهود، وكانوا مشتتين ما بين بلاد الشام والعراق والحجاز.
وقد حرفوا دين نبى الله موسى عليه السلام, فجعلوا الله سبحانه وتعالى إلها خاصا باليهود, وافتروا الحكايات الكاذبة على أنبيائهم مما شوّه سمعتهم, وأحلوا التعامل مع غيرهم بالربا والغش, وحرّموه بينهم، وقد نتج عن ذلك الانحلال والاضطراب والضلال فساد وشقاء، وحضارة رعناء قائمة على أساس القيم المادية، بعيدة عن القيم الروحية المستمدة من الوحي الإلهى، أما جزيرة العرب فقد كانت في عزلة عن تلك الصراعات والضلالات الحضارية والانحرافات، وذلك بسبب بعدها عن المدنية وحياة الترف، مما قلل وسائل الانحلال الخلقي والطغيان العسكري والفلسفي في أرجائها، فهي وعلى ما كانت عليه من انحراف، كانت أقرب إلى الفطرة الإنسانية.