الحكيم لقمان بن ياعور “جزء 3”

الدكرورى يكتب عن الحكيم لقمان بن ياعور “جزء 3”

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

الحكيم لقمان بن ياعور “جزء 3”

ونكمل الجزء الثالث مع الحكيم لقمان بن ياعور، فكان من أول ما وعظ به أن قال “يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم” فنهاه عنه وحذره منه وقد قال البخاري حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال لما نزلت “الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم” شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إنه ليس بذاك ألم تسمع إلى قول لقمان يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ” رواه مسلم، ثم أخبر الله تعالى بالوصية بالوالدين وبيان حقهما على الولد وأكده وأمر بالإحسان إليهما حتى ولو كانا مشركين ولكن لا يطاعان على الدخول في دينهما.

إلى أن قال مخبرا عن لقمان فيما وعظ به ولده “يا بنى أنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن فى صخرة، أو فى السماوات، أو فى الأرض، يأت بها الله، إن الله لطيف خبير” وهو ينهاه عن ظلم الناس ولو بحبة خردل فإن الله يسأل عنها ويحضرها حوزة الحساب ويضعها في الميزان كما قال تعالى “إن الله لا يظلم مثقال ذرة” وقال تعالى “ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين” وأخبره أن هذا الظلم لو كان في الحقارة كالخردلة ولو كان في جوف صخرة صماء لا باب لها ولا كوة أو لو كانت ساقطة في شيء من ظلمات الأرض أو السموات في اتساعهما وامتداد أرجائهما.

لعلم الله عز وجل، مكانها إن الله لطيف خبير أي علمه دقيق فلا يخفى عليه الذر مما تراآى للنواظر أو توارى كما قال تعالى “وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين” وقال تعالى “وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين” وقال تعالى “عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين” وقد زعم السدي في خبره عن الصحابة أن المراد بهذه الصخرة، هى الصخرة التي تحت الأراضين السبع وهكذا حكى عن عطية العوفي وأبي مالك والثوري والمنهال بن عمر، وغيرهم وفي صحة هذا القول من أصله نظر ثم إن في هذا هو المراد نظر آخر.

فإن هذه الآية نكرة غير معرفة فلو كان المراد بها ما قالوه لقال فتكن في الصخرة وإنما المراد فتكن في صخرة أي صخرة كانت كما قال الإمام أحمد، حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله قال ” لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لخرج عمله للناس كائنا ما كان ” ثم قال “يا بني أقم الصلاة” أي أدها بجميع واجباتها من حدودها وأوقاتها وركوعها وسجودها، وطمأنينتها وخشوعها وما شرع فيها واجتنب ما ينهي عنه فيها، ثم قال “وامر بالمعروف وانه عن المنكر” أي بجهدك وطاقتك أي إن استطعت باليد فباليد وإلا فبلسانك فإن لم تستطع فبقلبك، ثم أمره بالصبر.

فقال “واصبر على ما أصابك” وذلك أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في مظنة أن يعادى وينال منه ولكن له العاقبة ولهذا أمره بالصبر على ذلك ومعلوم أن عاقبة الصبر الفرج وقوله “إن ذلك من عزم الأمور” التي لا بد منها ولا محيد عنها وقوله “ولا تصعر خدك للناس” قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك ويزيد بن الأصم وأبو الجوزاء وغير واحد معناه: لا تتكبر على الناس وتميل خدك حال كلامك لهم وكلامهم لك على وجه التكبر عليهم والازدراء لهم، وقد قال أهل اللغة وأصل الصعر داء يأخذه الإبل في أعناقها فتلتوي رؤوسها فشبه به الرجل المتكبر الذي يميل وجهه إذا كلم الناس أو كلموه على وجه التعظم عليهم.