حياة الخضر عليه السلام ” جزء 18″

الدكرورى يكتب عن حياة الخضر عليه السلام ” جزء 18″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

حياة الخضر عليه السلام ” جزء 18″

ونكمل الجزء الثامن عشر مع حياة الخضر عليه السلام، وكما جاءت فى الخضر عليه السلام صفة الرحمة، حيث فال الله تعالى ” آتيناه رحمة ” وهذه صفة الأنبياء والمؤمنين، والله تعالى يقول عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم “ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ” فلو لم يكن رحيما لما نجح في مهمته التي أوكله الله بها وهي هداية البشرية للإسلام، وكذلك كان مع الخضر عليه السلام صفة العلم حيث قال تعالى ” وعلمناه من لدنا علما” أي، وهذا يقتضي أنه تعالى علمه لا بواسطة تعليم معلم، ولا إرشاد مرشد، وقد آتى الله تعالى الخضر عليه السلام علما لدنيّا أهله، لأن يعلم موسى عليه السلام، وكان أهم ما تميز به الخضر عليه السلام أنه كان منطلقا في كل تصرفاته من باب المصلحة العامة، فلم يكن يتحرك لشيء بدافع شخصي.

وكل الأمور التي فعلها في قصته مع نبى الله موسى عليه السلام، كانت جميعها لأجل تحقيق المنفعة للغير، وعلى وجه التحديد لعباد الله المؤمنين، الذين عرفوا حق الله فأدوه، فلم يغفل عنهم في أمورهم، وأرسل لهم ذلك العبد الصالح ليقوم على تحقيقها لهم، وقد تمحورت قصة نبى الله موسى عليه السلام مع الخضر في ثلاث مواقف رئيسة كما يحكي القرآن الكريم، الأول قصتهما مع أصحاب السفينة، إذا أنهما لما انطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهما سفينة فكلموها أن يحملوهما، فعرف أهل السفينة الخضر، ولم يعرفوا موسى فحملوهما بلا ثمن ومن غير مقابل إكراما للخضر، ولما وصلت السفينة ورست عمد الخضر إلى لوح من ألواح السفينة فنزعه منها واقتلعه من داخلها ثم رماه في البحر، وهنا اندهش موسى عليه السلام.

وقال في نفسه قوم حملونا وأكرمونا وأركبونا بلا ثمن ثم بعد ذلك يخرق سفينتهم ويفسد وسيلتهم، فلم يتحمل الصمت، فقال وقد أخذته الغيرة على الحق فقال أخرقتها لتغرق أهلها، وهنا التفت العبد الرباني إلى موسى، مذكرا له بالشرط الذي بينه وبينه وملفتا نظره إلى عبث محاولة التعلم منه، فأخذ موسى يعتذر إليه بالنسيان ويرجوا منه ألا يؤاخذه ولا يرهقه فقبل الخضر عذره ونسيانه، وقد مر موسى والخضر على حديقة يلعب فيها الصبيان، حتى إذا تعبوا من اللعب انتحى كل واحد منهم في ناحية من نواحي الحديقة، فجاء الخضر إلى أحدهم فاقتلع رأسه حتى فصل رأسه عن جسده، كان المشهد صادما لنبى الله موسى عليه السلام، كيف له أن يفعل ذلك وما الجرم الذي اقترفه الطفل حتى يتم قتله، وذلك هو حدود علمه ويعني ما فعلته شيء مثير للاستنكار لا يقبله العقل.

فأعاد عليه الخضر ما قال له من قبل بأنه لن يستطيع معه صبرا، فأعتذر له نبى الله موسى عليه السلام، فانطلقا حتى وصلا إلى قرية يعرف أهلها بالبخل، فلما وصلا إليها، وقد نفذ ما معهما من الطعام فاستطعما أهل القرية، وطلبا منهم أن يطعموهم ويضيفوهما، فأبوا أن يضيفوهما حتى جاء عليهما المساء فآوى في الخلاء، فوجد الخضر جدارا يكاد أن يتهاوى ويسقط فقام الخضر إلى الجدار وقضى ليله كله في إصلاحه وبنائه من جديد، فقال نبى الله موسى في نفسه، إن أهل القرية بخلاء لم يكرمونا ولم يضيفونا فلماذا يتعب نفسه فيهم ويشقى عليهم ويقدم لهم هذا العمل المجاني الذي لا يستحقونه، وقد قام الخضر عليه السلام، ووضح لموسى أسباب خرق السفينة بأنها كانت لمساكين، وفي الطريق يوجد ملك جبار يأخذ كل سفينة صالحة تمر بالطريق بالقوة.

فألهم الله الخضر أن يقوم بأخذ لوح كبير منها لتبدو غير صالحة، فتسلم من الملك الجبار، وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين، فكان بعلم الله كافرا لو كبر، وحتى لا يفتن أبويه أماته الله مبكرا قبل أن يبلغ الحلم حتى يدخله معهما الجنة، لأنه لو أبقاه حتى يشب ربما حُب والديه له قد يجعلهما يكفران، وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة التي أهلها بخلاء، وقد ترك لهما أبوهما كنزا وبنى عليه جدارا ليخفيه من أهل القرية اللئام، وأوشك هذا الجدار على السقوط، ولو سقط لوجده أهل القرية وضاع نصيب اليتيمين، ولكن الله ألهم الخضر أن يصلحه وقبل مسحه بيده فاستقام الجدار حتى يكبرا وبعد ذلك يتمكنان من الاستفادة من هذا الكنز، ولقد قدر الله لا يدركه الإنسان إلا بعد أن يتحقق ويفسر، ولقد كان نبى الله موسى عليه السلام يتعجب من تصرفات الخضر الفورية.