الدكرورى يكتب عن حياة الخضر عليه السلام ” جزء 19″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
حياة الخضر عليه السلام ” جزء 19″
ونكمل الجزء التاسع عشر مع حياة الخضر عليه السلام، ولقد كان نبى الله موسى عليه السلام يتعجب من تصرفات الخضر الفورية، ولا يرى لها تفسيرا، لأن هذا قدر مؤجل النتائج، فعلى المسلم أن يرضى ولا يتضجر بقضاء الله وقدره لأننا لا نعلم شيئا فقال الله تعالى فى سورة الإسراء ” وما أوتيتم من العلم إلا قليل” فأي شيء يحدث لك أو لغيرك لا تقول لو كان كذا لصار كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، وتذكر ما حدث لك من مصائب وكيف تحولت إلى خير وأنت لا تدري، ولو لم يترك نبى الله إسماعيل وأمه في الصحراء لم يكن ماء زمزم الذي نشرب منه، ولولا أن فدى الله نبيه إسماعيل بكبش لأصبح علينا أن نضحي بابن من أبنائنا، ولو أخذنا نعدد قدر الله الذي استبان لنا لوجدنا العجب، فعلينا أن نرضى بقدر الله.
حتى نعيش سعداء في هذه الدنيا، فمثلا الذي تأخر عن الزواج لا تقلق، فما تدري كم من الخير ينتظرك ما دمت قد أخذت بالأسباب، وأنت الذي تبحث عن عمل أو وظيفة: لا تخف على رزقك ورزق أولادك، فأنت لا تدري ما هو مدخر لك حتى يأتي وقته، ولا أقصد بذلك أن نتواكل ونترك البحث، بل اسع وتحرك وكل ميسر لما خلق له، وكما سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الرسول صلى الله عليه وسلم حينما نزلت هذه الآية كما جاء فى سورة هود ” فمنهم شقى وسعيد” فقال فعلى ما نعمل؟ على شيء قد فرغ منه أو على شيء لم يُفرغ منه؟ فقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “بل على شيء قد فرغ منه وجرت به الأقلام يا عمر، ولكن كل ميسر لما خلق له” رواه الترمذي، وهكذا فإن قصة الرجل الصالح الخضر قد وردت مرة واحدة في سورة الكهف.
مع نبى الله موسى عليه السلام، وأن الراجح في شخصية الخضر هو أنه رجل صالح أجرى الله تعالى على يديه الكرامات وليس بنبي كما يزعم البعض، ولم يثبت دليل من الشرع أو يذكر التاريخ صفات الرجل الصالح الخضر الشكلية، ولكن من خلال آيات سورة الكهف وقصته مع نبى الله موسى عليه السلام يتبين لنا أن الله تعالى قد أتاه قوة الجسد حيث أنه خرق السفينة، ثم قتل الغلام، ثم قان ببناء الجدار لوحده، والأصل في المسلم أن لا يبحث في هذه الأمور لأن معرفتها لا تزيد في الدين ولا تنقص منه شيئا، فالعلم بها لا ينفع والجهل بها لا يضر، ولكن المطلوب منا أن نستفيد من قصته التي وردت في سورة الكهف ومراجعة تفسيرها لنستنبط منها الدروس والعبر، لأن الهدف من ورود القصص القرآني هو مواساة وتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم.
وعبرة للمسلمين، وروى الإمام البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى أنه قال “إنا لعند ابن عباس في بيته، إذ قال سلوني؟ قلت أي أبا عباس جعلني الله فدائك بالكوفة رجل قاص يقال له نوف، يزعم أنه ليس بموسى بنى إسرائيل” وفي رواية “أن سعيد بن جبير قال لابن عباس رضي الله تعالى عنهما إن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب بني إسرائيل ليس هو صاحب الخضر” والخضر سمي بهذا الاسم بالخضر،لأنه كما ورد في الحديث الصحيح أنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء “رواه البخاري، والفروة هي الأرض اليابسة، وجلس الخضر مرة من المرات على أرض يابسة بيضاء ليس فيها نبات، فإذا هي تهتز تحته بقدرة الله تعالى خضراء، معجزة للخضر، فمن هذا الحادث سمي الخضر خضرا.
فقال ابن عباس رضى الله عنهما لما سمع هذا الخبر، أن نوفا البكالي وهو أحد القصاص الذين كانوا يحدثون الناس بأخبار الأمم السابقة لما سمع هذا الكلام عنه “قال كذب عدو الله” وقد تتساءلون عن هذه الكلمة عدو الله كيف يكون ذلك؟ وذكر العلماء تعليلا لهذه الشدة الواردة من ابن عباس، فقالوا أن هذه الكلمة إنما أطلقها ابن عباس، ولم يرد معناها الحقيقي، وإنما وردت مورد التغليظ والزجر على ذلك الرجل الذي أخبر بشيء خلاف الثابت عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد زعم أن موسى الذي كان مع الخضر ليس هو صاحب بني إسرائيل موسى آخر، فقال في معرض الزجر، والتغليظ، وفي حالة غضب، وفي حالة الغضب يعذر الغاضب في بعض ألفاظه التي تخرج منه.