الدكرورى يكتب عن أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب “جزء 3”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب “جزء 3”
ونكمل الجزء الثالث مع أم كلثوم بنت علي بن أبى طالب، ولكن ماذا حل بأم كلثوم بعد وفاة زوجها وهي ما تزال شابة في ريعان الصبا، فيقال أن أباها عليا فاتحها في موضوع الزواج، فنصحها أخواها الحسن والحسين بأن لا يجعلا أمرها بيده، خشية عليها من أن تكون لرجل بعد عمر، ومن هو عمر؟ في العدل والصلاح والتقى، ثم خلف على أم كلثوم بعد عمر بن الخطاب، عون بن جعفر بن أبي طالب، فتوفي عنها، ثم خلف عليها أخوه محمد بن جعفر بن أبي طالب، فتوفي عنها، فخلف عليها أخوه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بعد أختها زينب بنت علي بن أبي طالب، فقالت أم كلثوم إني لأستحيي من أسماء بنت عميس، إن ابنيها ماتا عندي، وإني لأتخوف على هذا الثالث.
فهلكت عنده، ولم تلد لأحد منهم شيئا، وقال الحسن بن الحسن بن على لما تأيّمت أم كلثوم بنت علي عن عمر بن الخطاب، فدخل عليها أخواها الحسن، والحسين، فقالا لها إن أردت أن تصيبي بنفسك مالا عظيما لتصيبن، فدخل علي بن أبى طالب، فحمد الله، وأثنى عليه، وقال أي بنية، إن الله قد جعل أمرك بيدك، فإن أحببت أن تجعليه بيدي، فقالت يا أبت، إني امرأة أرغب فيما ترغب فيه النساء، وأحب أن أصيب من الدنيا، فقال هذا من عمل هذين، ثم قام يقول والله لا أكلم واحدا منهما، أو تفعلين، فأخذا شأنها وسألاها ففعلت، فتزوجها عون بن جعفر بن أبي طالب، وقد رافقت أخاها سيد الشهداء من المدينة إلى كربلاء حتى استشهاده، ثم سارت مع سبايا آل محمد إلى الكوفة.
ومنها إلى الشام في رحلة السبي التي أكملت المسيرة الحسينية عبر إعلامها النسوي الضخم الذي تمثل في حرائر الوحي، فترك هذا الإعلام أثره الكبير والمدوّي في الرأي العام، ومثل دورا كبيرا في نشر الهدف العظيم لثورة الحسين، وإدانة جرائم الأمويين بحق الإسلام والمسلمين، وكما أهاجت في نفوس أهل الكوفة شعورا لاذعا بالحسرة والندم والخزي والعار وهي ترى نساء الكوفة يبكين على الحسين ورجالهن خذلوه وقتلوه، وقد رأت أم كلثوم أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز، فصاحت بهم وهي في المحمل يا أهل الكوفة، إن الصدقة علينا حرام، فإنتبه الناس كلهم لهذا الصوت الذي دوّى في آذانهم وملأ الفضاء.
كأن صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد بُعث من جديد، فوجموا كأن على رؤوسهم الطير وضاقت بهم الأرض فجلسوا يبكون، ولكن هل ينفع الندم بعد تلك الجريمة الشنعاء ؟ وهل وصل الأمر بهم إلى أن يقتلوا سبط الرسول ويسبوا نساءه ثم يتصدّقوا على آل بيته ؟ وأخذت أم كلثوم الطعام من أيدي الأطفال وأفواههم ورمت به إلى الأرض، واشتدت عاصفة البكاء والناس تلطم على رؤوسها، وذلك ندما على خذلان الحسين، وفداحة الإثم العظيم الذي أرتكب في كربلاء وتحولت المدينة إلى مجلس للعزاء، وهنا رأى الناس امرأة تطلع رأسها من المحمل وتقول لهم بلهجة التأنيب الشديد صه يا أهل الكوفة، تقتلنا رجالكم، وتبكينا نساؤكم ؟
فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء، ولقد مثلت السيدة أم كلثوم دورا تبليغيا عظيما لنشر الهدف السامي لثورة الإمام الحسين والتنديد بجرائم الأمويين عبر الخطب والأشعار التي أطلقتها فكان مما قالته في خطبتها في الكوفة يا أهل الكوفة، سوأة لكم، ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه، وانتهبتم أمواله وورثتموه، وسبيتم نساءه ونكبتموه، فتبّا لكم وسحقا، ويلكم أتدرون أي دواه دهتكم، وأي وزر على ظهوركم حملتم، وأي دماء سفكتموها، وأي كريمة أصبتموها، وأي صبيّة سلبتموها، وأي أموال انتهبتموها ؟ قتلتم خير رجالات بعد النبي، ونزعت الرحمة من قلوبكم، ألا إن حزب الله هم الفائزون، وحزب الشيطان هم الخاسرون.