الدكرورى يكتب عن نبي الله لوط عليه السلام ” جزء 9″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله لوط عليه السلام ” جزء 9″
ونكمل الجزء التاسع مع نبي الله لوط عليه السلام، فيرى بعض من علماء أهل السنة أنه لا يمكن التعرف أو التحقق على أصل قوم لوط، ولا أسماء القرى التي سكنوها، ولا اسم المنطقة التي كانوا فيها وذلك باتباع منهج التوقف عند حدود ما ورد نصا في القرآن والأحاديث الصحيحة، وأنه لا يصح بتاتا الذهاب إلى الاسرائيليات أو كتب الأخبار والتاريخ والأساطير وذلك لعدم اليقين فيما ورد في تلك الروايات، حيث يرى فريق آخر أنه يمكن التوصل إلى بعض المعلومات عن موطن لوط من خلال المقارنة والاستنباط من المصادر الإسلامية المعتمدة، فيصح أولا، كون قرى قوم لوط كانت في بلاد الشام لأن الأرض المباركة والتي نجى الله إليها إبراهيم ولوطا وبناء على بعض الآيات في القرآن الكريم هي بلاد الشام، وقد أجمع على ذلك جمهور المفسرين.
وقال بذلك الإجماع أيضا ابن الجوزي، وكذلك يذكر البغوي في تفسيره من قول الله تعالى ” ونجينا لوطا ” من نمرود وقومه من أرض العراق، ” إلى الأرض التى باركنا فيها للعالمين ” يعني، الشام بارك الله فيها بالخصب وكثرة الأشجار والثمار والأنهار ومنها بعث أكثر الأنبياء، والحاصل أن قصة لوط عليه السلام مع قومه، إنما هي في بلاد الشام وليست في الهند أو السند أو اليمن أو غيرهم من الأماكن، ويصح ثانيا، كون قرية سدوم هي موضعهم من بلاد الشام، وذلك أن كونها بسبيل مقيم، ويستدعي كونها على طريق ثابتة يسلكها الناس ويرون آثارها، ويمكن إنزال الناس هنا على أنهم قريش، أهل مكة لأن الخطاب موجه إليهم في الآيات من سورة الحجر المكية، فقد كان أهل قريش يمرون على ديار قوم لوط عليه السلام مرة في الصباح ومرة في الليل.
وذلك وفق ترتيب سيرهم في السفر، وهذا أيضا مما نص عليه في القرآن الكريم ويقول الفخر الرازى، هذه القرى وما ظهر فيها من آثار قهر الله تعالى وغضبه لبسبيل مقيم ثابت لم يندرس ولم يخف، والذين يمرون من الحجاز إلى الشام يشاهدونها، وفيما سبق مع الوضع في الاعتبار سلوك القادم على ناقته من جزيرة العرب إلى بلاد الشام، وادي عربة مرورا بالبحر الميت، وكون هذا الطريق أسهل عليه من صعود مرتفع مدينة العقبة، دليل كافي للاعتقاد بكون وادي الأردن طريقا مسلوكة في كافة الاتجاهات فيما مضى، وكذلك فإنه توجد نتائج لأبحاث حديثة تدعم هذا الاعتقاد أكثر وترسيِّه، حيث تثبت وجود طرق وممرات على طول امتداد الشاطيء الشرقي للبحر الميت، فقد كان أهل الجزيرة العربية يسلكون إلى بلاد الشام طريق الشاطئ الشرقي.
للبحر الميت عبر وادي الأردن والحاصل أن العرب كانت تعرف موقع قرى قوم لوط بل أتوها ورأوها، وزيادة، أنهم لم يعتبروا ولذا أنكر القرآن الكريم عليهم الرؤية مع عدم الاعتبار، ولهذا، وفي موضع آخر، فإن القرآن الكريم يسألهم صراحة عن مدى عقلانيتهم وقدرتهم على استنباط العبر منهم، فهو يسألهم أليس لكم فيكم عقول تعتبرون بها؟ ولو لم يكونوا يعرفون تلك القرى ومواقعها لما أنكر عليهم عدم تفكرهم في عقاب الله للظالمين، وإن ملخص ما قاله العلماء في ذلك، والمشهور عندهم أن قرى قوم لوط في منطقة غور الأردن، حيث مدائنهم سدوم هي بغور زغر من البلاد الشامية، وزغر، قرية بينها وبين بيت المقدس ثلاثة أيام في طرف البحيرة المنتنة، وهي موجودة جنوب حوض البحر الميت الجنوبي، وقد نزل لوط إذن بالأردن.
ثم أرسله الله تعالى إلى أهل سدوم، وهي عدة قرى، وبلادهم تلك ما بين الشام والحجاز بناحية زُغر، وأن هناك فريق ثالث يأخذ من الإسرائيليات وغيرها، مما لا يثبت يقينا فيزيدون مثلا على كون لوط عليه السلام سكن في مدينة سدوم، وأنها كانت مدينة كبيرة عامرة تقع على ضفاف بحيرة طبرية شديدة ملوحة المياه، وأن تربتها كانت شديدة الخصوبة، وأن سدوم قد أحاطتها أربع ممالك انتشرت حولها هي عامورا ودوما وصبعة وصعوة، وكذا فقد أنشأت فيما بينها حلفا برئاسة ملك سدوم واسمه بارع، وعلى كل مدينة سور عظيم مبني من الحجارة والرصاص، وكانت سدوم آنذاك أكبر تلك الممالك حيث كانت مركزا تجاريا ومحطة للمسافرين بسبب موقعها، وقدروا عدد سكانها بحوالي أربعة آلاف شخص.