وحشتِني يا أمّي
بقلم د.صفاء الليثي
وحشتِني يا أمّي
مرتِ الأعوامُ…
وأنا أعودُ كلَّ عامٍ
إلى ذاتِ الذكرى
حاملاً وجهي القديم
وقلبي الذي لم يكبر منذ غيابك.
تسعةَ عشرَ عامًا
وأنا أعدُّ العمرَ ناقصًا
وأعدُّ نفسي
طفلًا عاد إلى البيت
فلم يجد أمَّه في انتظاره.
يا قُرَّةَ العين،
أتعلمين كيف يكون الرجوعُ بلا حضن؟
كيف تكون البيوتُ واسعةً
حين تخلو من صوتك؟
وكيف يصيرُ النهارُ ثقيلاً
حين لا تدعين لي مع الصباح؟
كنتِ وحدي…
وما زلتِ وحدي.
كنتِ الأمَّ
وكنتِ الأختَ
وكنتِ الأبَ حين مالَ الزمان.
فلِمَ هانَ عليْكِ قلبي؟
وكيف طاوعكِ الرحيل
وتركتِني
أكملُ الحياةَ بنصفِ روح؟
ألم تشتاقي لي؟
ألم أطرقْ منامكِ ليلةً
وأبكِ في حلمكِ طويلًا؟
زوري نومي يا أمّي،
فإن الليلَ موحشٌ
ولا يأنسُ إلا بطيفك.
أنا وحدي…
أشدُّ على نفسي
حين تضيع صفائي
وحين أتعثر
ولا أجد يدكِ
تمسح عني التعب.
أتعلمين؟
ما يصبّرني
أنكِ في مقامٍ أرحم
وأنكِ في دارٍ
لا وجعَ فيها ولا فراق،
وأن الله اختاركِ
لرحمته الواسعة
وتركَ لي الصبر.
لكن…
ما أقسى الصبرَ
حين يكون اسمه أمّي.
عودي بدعوة،
كما كنتِ تفعلين،
قولي:
«اللهم احفظها»
فأنا ما زلتُ أعيشُ
على بركة تلك الدعوات.
وحشتِني…
وحشتِني يا أمّي،
وكلما طال الغياب
زاد الشوق
وصغرتُ أنا
وكبرتِ أنتِ في قلبي
حتى صرتِ وطنًا
لا يُعَوَّض.