أطلقوا ثمامة

أطلقوا ثمامة

رغم تراجعه عن قَتل النبي إلا أنه لم يكف آذاه عن صحابة رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، فجعل يترَبص بهم حتى ظفر بعدد منهم وقَتلهم شر قَتلة فأَهدر النبي صلّي الله عليه وسلم دَمه وأعلن ذلك في أصحابه ولم يمض على ذلك وقت حتى عزم ثمامة بن أثال على أداء العمرة فانطلق من اليمامة قاصدا مكة وهو يمني نفسه بالطواف حول الكعبة والذَبح لأصنامها

 

وبينما كان في طريقه قريب من المدينة نزلت به نازلة سرية من سرايا رسول الله صلّي الله عليه وسلم كانت تقوم بمهمة اسْتطلاعية خوفًا من أن يطرق المدينة طارق أو يريدها معتد فأسرته السرية وهي لا تعرفه وأتت به وربطته في عمود من أعمدة المسجد منتظره أن يقف النبي صلّي الله عليه وسلم بنفسه على شأن الأسير .

 

خرج النبي صلّي الله عليه وسلم للمسجد فرأى ثمامة مربوطا في السارية فقال لأصحابه أتدرون من أخذتم فقالوا لا يا رسول الله فقال هذا ثمامة بن أثال ملك اليمامة فأحسنوا إساره

كان اليوم هو عاشوراء والنبى وصحابته الكرام صائمون

رجع النبي صلّي الله عليه وسلم إلى أهله وقال أجمعوا ما عندكم من طعام وابعثوا به إلى ثمامة ثم أمر بناقته أن تحلب له في الغدو والرواح وأن يقدم إليه لبنها

 

رجع النبى صلى الله عليه وسلم إلى ثمامة فقال : ما عندك يا ثمامة ؟ ،

 

فقال : عندي خير يا محمد ، إن تقتلني تَقْتل ذا دم (يعنى انا اصبت من صحابتك دما كثيرا) ، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت .. فتُرِك حتى كان الغد

فقال : ما عندك يا ثمامة ؟ ، فقال : ما قلت لك ، إن تنعم تنعم على شاكر .. فتركه حتى كان بعد الغد

فقال : ما عندك يا ثمامة ؟ ، فقال : عندي ما قلت لك ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أطلقوا ثمامة ..

فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، يا محمد : والله ما كان على الأرض وجه أبْغض إليَّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليَّ ، والله ما كان من دين أبْغض إليَّ من دينك فأصبح دينك أحب دين إليَّ ، والله ما كان من بلد أبْغض إليَّ من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إليَّ ،

وإنى قد كنت أصبت في أصحابك دَمًا فما الذي توجبه علي فقال النبي صلّ الله عليه وسلم لا تثريب عليك يا ثمامة فإن الإسلام يجب ما قبله وبشره بالخير الذي كتبه الله له بإسلامه فانبسطت آسارير ثمامة ثم قال ولله لأُصِيبنّ من المشر.كين أضعاف ما أصبت من أصحابك ولأضعن نفسي وسَيفي ومعي في نصرتك ونصرة دينك يا رسول الله

 

ثم تابع

وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى ؟ ،

فقال له رسول الله صلّي الله عليه وسلم أمضي لأداء عمرتك ولكن على شرعة الله ورسوله وعلمه الرسول ما يقوم به من المناسك

مضى ثمامة حتى بلغ بطن مكة ووقف يجلجل بصوته العالي قائلًا لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك فكان أول معتمر فى الإسلام واول مسلما دخل مكة ملبيًا .

لما سمعت قريش صوت التلبية هبت مذعورة واستلت السيوف واتجهت نحو الصوت لتَبطش به فلما اقتربوا منه رفع صوته بالتلبية وهو ينظر إليهم

علمت فريش إنه ثمامة ملك اليمامة فخَافوا أن يقطع قومه عنهم الميرة وان يموتوا جوعا إن أصابوه بسوء.. فأقبلوا عليه وقالوا أصبوت وتركت دينك ودين آباك

 قال : بل أسلمت مع محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم .. ووالله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي ـ صلى الله عليه وسلم 

 

وقد برَّ ثمامة ـ رضي الله عنه ـ بقسَمِه ، فحبس عن أهل مكة ما كان يأتيهم منه من المنافع والطعام ،

 

فلما أضر بهم كتبوا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إن عهدنا بك وأنت تأمر بصلة الرحم وتحض عليها، وإن ثمامة قد قطع عنا ميرتنا وأضرَّ بنا ، فإن رأيت أن تكتب إليه أن يخلى بيننا وبين ميرتنا فافعل ..

 

فاستجاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لرجاء قومه بالرغم أنه في حالة حَرب معهم ، وكتب إلى ثمامة : ( أن خَلِّ بين قومي وبين ميرتهم ) .. فامتثل ثمامة لأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وسمح باستئناف إرسال المحاصيل إلى مكة ، فارتفع عن أهلها الخَوف من المجاعة .

 

صار ثمامة ـ رضي الله عنه ـ من فضلاء الصحابة ، وهدى الله به خلقاً كثيراً من قومه ، وظل ما امتدت به الحياة وفيَّاً لدينه ، حافظاً لعهد نبيه ، فلما التحق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالرفيق الأعلى ، لم يرتد مع من ارتد من معظم أهل اليمامة ، وقال لقومه محذرا لهم من مسيلمة الكَذاب : 

” إياكم وهذا الأمر المظلم الذي لا نور فيه ، إنه والله لشقاء كتبه الله ـ عز وجل ـ على من أخذ به منكم ، وبلاء على من لم يأخذ به ، وإن محمدا رسول الله لا نبي بعده ..”

 

يقول الحافظ ابن حجر : ” وفي قصة ثمامة من الفوائد : كالمنِّ على الأَسير الكا.فر ، وتعظيم أمر العفو عن المسيء ، لأن ثمامة أقسم أن بُغضه انقلب حباً في ساعة واحدة لما أسداه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليه من العفو والمن بغير مقابل ، وفيه الاغتسال عند الإسلام ، وأن الإحسان يزيل البُغض ويثبت الحب ، وأن الكا.فر إذا أراد عمل خير ثم أسلم شرع له أن يستمر في عمل ذلك الخير، وفيه الملاطفة بمن يرجى إسلامه من الأسارى إذا كان في ذلك مصلحة للإسلام ـ ولا سيما من يتبعه على إسلامه العدد الكثير من قومه ـ .. وفيه بعث السرايا إلى بلاد المشركين فى حالة ا.لحرب وأسر من وجد منهم،

 

وفي قصة ثمامة ـ رضي الله عنه ـ ظهر عِظم أمر العفو عن المسيء كما قال الله تعالى : { وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } .

رضى الله عن الصحابى الجليل ثمامة وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .