الأُمور كـانت إعتيادية

الأُمور كـانت إعتيادية

بقلم / محموددرويش 

الأُمور كـانت إعتيادية

الأُمور كـانت إعتيادية (كما أرادوا أن يوهِمونا) ، لكنّها ليست على ما يُرام للمُتأملين ، زبانيّة الإعلام جــاهدوا قبلَ اللقاء لإبراز أن حمام السلام سيُخيّم فوق مَدينة بورسعيد الباسِلة ، سعيد تبدّلَت سعادته ، و المدينة تنصّلت من البسالة مؤقّتـًا في ليلةٍ إلتفّت بها مِصر في غلالة سوداء مِن شَفق الضباب الحـَالِك !

الأهلي عادةً يَختنِق بمُدن القناة ، يفوز لكِن بعناء ، و المدينة التي تحتَضِن الفريق الذي لا ينبغي ذِكر اسمه تأوي شغفًا مهولًا لكُرة القَدم ، شغَف غرائزي لكنّه من النوع الذي يتصدر واجهته سَدنَة الإجرام و القُبح .

مانويل چوزيه واللاعبين يَصلون ستاد المـ ـوت ، وأصحاب الأرض قرّروا إستعداء كُل مــا هوَ إنساني ، الإستاد يتكدّس ، الحناجِر مُصطفّة صاخِبة كضباعٍ مارِقة أرادَت التشويش على سكون بني آدم .

الدقائق تتوالى ، تقدم الأهلي في الدقيقة التاسعة ، التقدم يتحوّل لتعادُل ، ثم إلى تأخُر 1-3 ، ثم إلى ساحة مَلعَب بدأ قِسرًا يأوي الأشباح الذينَ برزوا مِن تحت الأرض ، ليذهبوا إلى المُدرج الذي تقبع فيه جماهير الأهلي ، ليكون الأول مِن فبراير سهمًا سامًا ينفُذ بسويداء القَلب أبدَ الآبدين .

الزبانية يبكونَ على الشاشات ، الموجة تتصاعد ، الدماء تَسيل ، قائمة الضحايا قَد بدأت و اخذَت بالإنتشار لتبدأ تسلسُل رقمي بدأ من واحد و إمتد إلى إثنين و سَبعين ، كانوا القُربان الذي قدمه سُكان تلكَ المدينة البور بعدَ أن تنصلَ الخونة مِن الحَد الأدنى لما يجعَل الإنسان إنسان .

تردّي إلى احَط درجات النَفس البشرية ، و إثبات لرؤى داروين أن الإنسان تطوُّر حيواني ، و تأصيل لما قاله أرسطو يومًا ما عن حيوانيّة الإنسان ، ترجموها فعليًا بعدما نسّقوا صعود جثامين بريئة للسماء ، يبدو أن تَشجيع كُرة القَدم كانَ جريمةً كافيةً بنظَر البَعض لإزهاق الروح .

أعوام تمُر على الحادث ، رائحة الدَم لا تزال تملأ الدُنيا ، يمُر الأول من فبراير كالقَرن ، كالمُذنّب الذي قرّر الإرتطام بالأرض ، و المشاهد لا تزال جميعها حاضرة .

رحم الله أصدقائنا و إخواننا .