الدكرورى يكتب عن أمك ثم أمك ثم أمك ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
أمك ثم أمك ثم أمك ” جزء 8″
ونكمل الجزء الثامن مع أمك ثم أمك ثم أمك، وأن الشريعة الإسلامية قد جاءت بتكريم الأم والتحريض على برها كل وقت، وقد صدق في ذلك فالواجب على المسلمين أن يكتفوا بما شرعه الله لهم من بر الوالدة وتعظيمها والإحسان إليها والسمع لها في المعروف كل وقت وأن يحذروا من محدثات الأمور التي حذرهم الله منها والتي تفضي بهم إلى مشابهة أعداء الله والسير في ركابهم واستحسان ما استحسنوه من البدع, وليس ذلك خاصا بالأم بل قد شرع الله تعالى للمسلمين بر الوالدين جميعا وتكريمهما والإحسان إليهما وصلة جميع القرابة وحذرهم سبحانه من العقوق والقطيعة وخص الأم بمزيد العناية والبر، لأن عنايتها بالولد أكبر ما ينالها من المشقة في حمله وإرضاعه وتربيته، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟
قالوا بلى يا رسول الله، قال الإشراك بالله، وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور” وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله أي الناس أحق بحسن صحابتي ؟ قال أمك ، قال ثم من ؟ قال ثم أمك ، قال ثم من ؟ قال ثم أمك ، قال ثم من ؟ قال أبوك ثم الأقرب فالأقرب، وقال صلى الله عليه وسلم ” لا يدخل الجنة قاطع ” يعني قاطع رحم، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال “من أحب أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أجله فليصل رحمه ” وإن الآيات والأحاديث في بر الوالدين وصلة الرحم وبيان تأكيد حق الأم كثيرة مشهورة وفيما ذكرنا منها كفاية ودلالة على ما سواه وهي تدل مَن تأملها دلالة ظاهرة على وجوب إكرام الوالدين جميعا واحترامهما والإحسان إليهما وإلى سائر الأقارب في جميع الأوقات.
وترشد إلى أن عقوق الوالدين وقطيعة الرحم من أقبح الصفات والكبائر التي توجب النار وغضب الجبار نسأل الله العافية من ذلك، وهذا أبلغ وأعظم مما أحدثه الغرب من تخصيص الأم بالتكريم في يوم من السنة فقط ثم إهمالها في بقية العام مع الإعراض عن حق الأب وسائر الأقارب ولا يخفى على اللبيب ما يترتب على هذا الإجراء من الفساد الكبير مع كونه مخالفا لشرع أحكم الحاكمين وموجبا للوقوع فيما حذر منه رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم ويلتحق بهذا التخصيص والابتداع ما يفعله كثير من الناس من الاحتفال بالموالد وغيرة فإن هذه كلها من المحدثات التي قلد فيها كثير من المسلمين غيرهم من أعداء الله وغفلوا عما جاء به الشرع المطهر من التحذير من ذلك والنهي عنه وهذا مصداق الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال.
” لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال فمن” وفي لفظ آخر قال صلى الله عليه وسلم ” لتأخذن أمتي مأخذ الأمم قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع، قالوا يا رسول الله فارس والروم ؟ قال فمن؟ والمعنى فمن المراد إلا أولئك فقد وقع ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، من متابعة هذه الأمة إلا من شاء الله منها لمن كان قبلهم من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من الكفرة في كثير من أخلاقهم وأعمالهم حتى استحكمت غربة الإسلام وصار هدي الكفار وما هم عليه من الأخلاق والأعمال أحسن عند الكثير من الناس مما جاء به الإسلام وحتى صار المعروف منكرا والمنكر معروفا والسنة بدعة والبدعة سنة عند أكثر الخلق بسبب الجهل والإعراض عما جاء به الإسلام.
من الأخلاق الكريمة والأعمال الصالحة المستقيمة، فكم من ساعات قضى فيها المسلم للوالدين حاجات، غفر الله عز وجل بها الذنوب والزلات، وخرج بها الهموم والكربات، وكم ولد بار أو فتاة بارة قاما من عند والديهما بعد سلام أو طيب كلام أو هدية متواضعة وقد فتحت أبواب السماء بدعوات مستجابات لهما من والديهما الضعيفين الكبيرين، فاتقوا الله في الوالدين، سيما إذا بلغا من الكبر والسن ما بلغا، ووهن العظم منهما واشتعل الرأس شيبا، إذا بلغت بهما الحال ما بلغت وأصبحا ينظران إليك نظر الذي ينتظر لقمة هنية أو أعطية جزية، فقيل أنه حدّث أحد رجال الإطفاء فقال إنهم وصلوا إلى بيت قد اشتعلت فيه النيران وفي البيت أم وأطفال لها ثلاثة، بدأ الحريق في إحدى الغرف، فحاولت الأم الخروج من الأبواب فإذا هي مقفلة.