جائزة انجاز العمر ( الفنان محمد صبحى )

جائزة انجاز العمر ( الفنان محمد صبحى )

كتب أحمد طارق

جائزة انجاز العمر ( الفنان محمد صبحى )

في حضرة الفن الرفيع، نرفع اليوم راية التقدير والامتنان لرجل لم يكن يوماً مجرد فنان، بل كان مشروعاً وطنياً وثقافياً متكاملاً، وصوتاً نقياً من أصوات الضمير المصري، وضميراً حيًا من ضمائر هذا الوطن.

 

نكرّم اليوم الفنان الكبير محمد صبحي، أحد أعمدة الدراما المصرية ومؤسسي المسرح المصري المعاصر، الذي ظل على مدى أكثر من نصف قرن حاملًا مشعل التنوير في وجه العتمة، ومدافعًا عن الوعي في زمن الازدحام بالسطحية والابتذال.

 

محمد صبحي ليس فقط صاحب رصيد فني استثنائي، بل هو أيضاً صاحب موقف… وصاحب رسالة . اختار منذ بداياته ألا يكون الفن عنده ترفاً أو مجرد ترفيه، بل وسيلة للارتقاء بالعقل، وتحفيز الضمير، وخدمة القضايا الكبرى للمجتمع. فكانت أعماله – من المسرح إلى التلفزيون – مرآة حقيقية تعكس هموم الناس، وتطرح الأسئلة الشجاعة، وتفتح نوافذ الحوار لا أبواب الهروب.

 

من “سنبل” الذي تحدى البيروقراطية بعفوية وذكاء، إلى “ونيس” الذي ربّى أجيالاً على القيم والأخلاق، إلى مسرحياته التي لامست الفلسفة والتاريخ والسياسة والواقع، ظل محمد صبحي مخلصاً لفكرته العميقة : أن الدراما ليست وسيلة تسلية عابرة، بل خطاب موجه إلى الإنسان، إلى العقل والوجدان معا.

لقد جسّد محمد صبحي عبر أعماله وفنه ومواقفه معنى أن يكون الفنان مواطناً مسؤولاً، لا ينفصل عن قضايا وطنه، ولا يتنازل عن رسالته. ولم يقف عطاؤه عند حدود الخشبة أو الكاميرا، بل امتد ليؤسس مدينة للفنون والثقافة، ويحتضن المواهب الجديدة، ويقود مبادرات اجتماعية وثقافية، ويقف دائما إلى جانب الفئات الأكثر احتياجاً، مدافعاً عن كرامة الإنسان وحقه في الفن والمعرفة والجمال.

 

واليوم، وفي حفل الدراما المصرية الذي ينظمه المجلس القومي لحقوق الإنسان، فإن تكريم محمد صبحي لا يأتي فقط تتويجًا لمسيرة إبداعية رفيعة، بل لأنه جسّد في مسيرته جوهر الفن كحق من حقوق الإنسان، واستخدم المسرح والدراما أداة للتحرير لا للتخدير، ومنبراً للحقيقة لا للزيف، ومجالاً للوعي لا للانفصال عن الواقع.

 

الفنان الكبير،

إن تكريمك اليوم هو تكريم لكل من آمن بأن الفن رسالة ومسؤولية، ولكل من دافع عن العقل في زمن الاستسهال، ولكل من جعل من الثقافة ركيزة للوطن، لا مجرد ديكور هامشي.

شكرا محمد صبحي… ودمت قامة من قامات مصر، وفخرًا من فُرسانها في معركة الوعي.