الدكرورى يكتب عن حياة الخضر عليه السلام ” جزء 6″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
حياة الخضر عليه السلام ” جزء 6″
ونكمل الجزء السادس مع حياة الخضر عليه السلام، وقد نسجت لهذا القديس سيرة حياة تقول بأنه كان بطلا من أبطال الإيمان المسيحى، عاش فى مدينة اللد بفلسطين، وأنقذ ابنة الملك التى اعتنقت المسيحية من تنين هائل صرعه بحربته، ووفقا لما جاء فى كتاب “تاريخ الموصل للقس سليمان صائغ الموصلى، قيل إن الخضر لقب صاحب النبى موسى عليه السلام، ويكنى بأبى العباس، وقيل أنه هو إليا وهو نبى مشهور وقيل أنه مار جرس، وهو ما يتفق مع ذكره كتاب “عيون الأنباء فى طبقات الأطباء” لابن أبى أصيبعه، حيث يذكر فى إحدى إشارات الكتاب توضيحا عن “الخضر” بأنه أحد الأنبياء الذى أرشد النبى موسى عليه السلام، وقد حظى عند الصوفيين بمركز ممتاز ويطلق عليه النصارى اسم القديس جرجس أو النبى إيليا.
ويعود للكتاب للتأكيد على أن المدقق فى بدايات قصة الخضر الأمير الزاهد فى الحكم، الهارب من زينة الحياة الدنيا يلاحظ تشابها قويا مع قصة “جوتاما بوذا” فى الموروث الروحى الأسيوى أو شخصية إبراهيم ابن أدهم فى صياغتها الصوفية، فكل منهما ابنا لأسرة نبيلة ترك الثراء وزهد النعيم الدنيوى، وتفرغ للعبادة والتأمل، وذهب الباحث فراس السواح، إلى أن شخصية الخضر قد امتزجت فى الموروث الشعبى بشخصيات بعض الآلهة، مثل الإله “بعل” الفينيقى الذى يتحكم بالأجواء وينشر الخضرة، ويدلل على ذلك بأن الفلاحين الذين كانوا منذ قرون طويلة يذكرون بعل وهم يزرعون ويحصدون، قد صار أحفادهم الآن يذكرون اسم الخضر وهم يمارسون النشاط نفسه، ووفقا للعديد من المراجع يقال إن الخضر ربما كان من قادة ورجال ذي القرنين.
تلك الشخصية التقية التي ملكت الأرض، بحسب الرواية القرآنية، حيث أراد ذو القرنين أن يخلد ولا يموت، فأخبرته الملائكة أن هناك عين ماء من شرب منها لا يموت، فانطلق ذو القرنين بجيشه يبحث عن العين لسنوات، وقال أبو جعفر الطبري “وكان الخضر في أيام أفريدون الملك بن الضحاك في قول عامة علماء أهل الكتاب الأول، وقيل موسى بن عمران عليهما السلام وقيل إنه كان على مقدمة ذي القرنين الأكبر الذي كان على أيام إبراهيم الخليل وإن الخضر بلغ مع ذي القرنين أيام مسيره في البلاد نهر الحياة فشرب من مائه وهو لا يعلم به ذو القرنين ولا من معه فخلد وهو حي عندهم إلى الآن، وقال آخرون إن ذا القرنين الذي كان على عهد إبراهيم الخليل هو أفريدون بن الضحاك وعلى مقدمته كان الخضر وهذا الرأي ضعيف.
ولقد أنزل الله سبحانه وتعالى على نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم معجزة القرآن الكريم، وهو كتاب الله تعالى المتعبد بتلاوته، والذي يعتبر دستورا شاملا للأمة بما فيه من أحكام وتوجيهات ودروس وعبر وأمثال، كما اشتملت آيات القرآن الكريم وسوره على كثير من القصص القرآنية التي كانت فيها العبر والدروس لأولي الألباب، ومن هذه القصص قصة نبى الله موسى عليه السلام والخضر، وقد خطب نبى موسى عليه السلام يوما في قومه مبينا لهم أنه أعلم من في الأرض حينئذ، ولم ينسب هذا العلم إلى الله تعالى، فأوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام، أن ثمة من في الأرض من هو أعلم منه، وقد سأل موسى ربه أن يلتقي بهذا الرجل، وأمره بأن يأخذ معه مكتلا ويضع فيه حوتا، وأنه متى ما فقد الحوت فسوف يجد الخضر.
انطلق نبى الله موسى عليه السلام مع فتاه يوشع بن نون، وفي الطريق أوى موسى وفتاه إلى صخرة يستريحان عندها، وقد تسلل الحوت خارج المكتل من دون أن يشعرا، وبعد أن مضيا في طريقهما، أمر نبى الله موسى عليه السلام فتاه أن يحضر غداءهما، فقال له فتاه أنهما نسيا الحوت عند الصخرة، فارتدا على آثارهما حتى يرجعا إلى الصخرة، وعندما وصلا إليها وجدا عندها شيخا كبيرا، فطلب منه موسى أن يعلمه مما علمه الله، فانطلقا في رحلة رأى فيها موسى أفعالا ظاهرها إيذاء وشر، حيث خرق الخضر السفينة التي ركباها، ثم قتل غلاما رآه في طريقه، وأقام جدار قوم رفضوا أن يضيفوهما، وبعد أن بين الخضر لموسى عليه السلام سبب فعله لكل تلك الأمور أيقن موسى عليه السلام أن العلم هو فضل الله تعالى الذي يؤتيه إلى من يشاء من البشر.