#أزمة المعادن النادرة.. نفوذ صيني استراتيجي يهدد الأمن القومي الأمريكي
تُعتبر من أكثر الضربات الموجعة التي توجهها الصين للولايات المتحدة، في الحرب التجارية المتصاعدة بينهما، تعليق صادرات المعادن الأرضية النادرة، التي ترتبط بشكل وثيق بالبرامج العسكرية الأمريكية، بدءاً من الطائرات المقاتلة والسفن الحربية والصواريخ والدبابات وصولاً إلى الغواصات وأجهزة الليزر، في حين قد تجد واشنطن صعوبة كبيرة في إيجاد بدائل في الوقت الحالي، وهو ما يمثل خطورة على الأمن القومي الأمريكي، خصوصاً مع الأخذ في الاعتبار واقعة تاريخية كادت أن تعرض أمريكا لهزيمة في الحرب العالمية الثانية.
ـ ما هي استخداماتها العسكرية؟ وتُستخدم «المعادن الأرضية النادرة» المستخرجة في الصين، في جميع تقنيات الدفاع الأمريكية تقريباً، حيث يمكنها تكوين مغناطيسات قوية جداً، تُستخدم في الطائرات المقاتلة والسفن الحربية والصواريخ والدبابات وأجهزة الليزر. ويُستخدم الإيتريوم في طلاء محركات الطائرات النفاثة عالية الحرارة؛ حيث يسمح للطلاءات العازلة على «شفرات التوربينات» بمنع ذوبان محركات الطائرات أثناء تحليقها. كما تحتاج الطائرات المقاتلة إلى مغناطيسات مصنوعة من معادن أرضية نادرة في الصين لبدء تشغيل المحركات وتوفير الطاقة في حالات الطوارئ.
ووفقاً للبنتاغون، تحتوي كل مقاتلة من طراز F-35 على حوالي 400 كيلوغرام من المواد الأرضية النادرة، بينما الأكثر ذهولاً أن بعض الغواصات تحتاج إلى أكثر من 4 آلاف كيلوغرام تقريباً من هذه المواد.
وفي الصواريخ الباليستية دقيقة التوجيه التي يفضلها البنتاغون، كما تتحكم نوعية مشابهة من المغناطيسات في الجزء الذي يمكنه توجيه هذه الصواريخ نحو أهداف صغيرة أو متحركة. كذلك الطائرات المسيّرة الجديدة سواء الكهربائية وغيرها، والتي تعمل البحرية الأمريكية على تطويرها، فإنه لا غنى عن هذه المغناطيسات في المحركات الكهربائية المدمجة.
ـ مخزونات محدودة: في قطاع الدفاع الأمريكي، تحتفظ شركات الطيران والفضاء والأسلحة بمخزونات صغيرة من العناصر الأرضية النادرة، ويرى محللون عسكريون أن هذه المخزونات كافية لتلبية احتياجاتهم لأشهر فقط وليس لسنوات، وكشف أحد المسؤولين عن أن البنتاغون لديه مخزونات من بعضها، لكنها لا تكفي لدعم شركات الدفاع إلى أجل غير مسمى.
ويكشف أحد مسؤولي شركات تجارة المعادن في بريطانيا، عن أن «الصين تجري عمليات تعدين وتكرير لمعظم المعادن الأرضية النادرة في العالم، وتُهيمن على سلسلة التوريد النهائية، وهذه الهيمنة تُتيح لها بعض النفوذ في تحديد كلفة الأسلحة التي تعتمد على المعادن النادرة، ما يمنحها نفوذاً هائلاً على قاعدة الصناعات الدفاعية الأمريكية».
ـ بدائل غير مضمونة: وفي السنوات الأخيرة، أصبحت المعادن النادرة أداة جيوسياسية متزايدة الأهمية، وقد سعت إدارة ترامب إلى إبرام صفقة لشراء المعادن النادرة من أوكرانيا مقابل دعم عسكري، كما تحدثت الإدارة عن استحواذ كامل على غرينلاند ويعود ذلك جزئياً إلى وفرة مواردها من المعادن النادرة.
ـ أزمة مغناطيس إف – 35: ويشير المستثمر في تصريح لصحيفة نيويورك تايمز، إلى ما أسماه «كارثة مغناطيس إف-35»، ففي عام 2022، أوقف البنتاغون مؤقتاً تسليم طائرات إف-35 من إنتاج شركة لوكهيد مارتن بعد أن أقرّت الشركة المصنعة بوجود «سبيكة» مصنوعة في الصين داخل أحد مكونات المقاتلة الشبح، منتهكةً بذلك القواعد الدفاعية الفيدرالية. وفي ذلك الوقت، قال البنتاغون إن المغناطيس الذي يحتوي على السبائك المستخدمة في جزء من حزمة الطاقة المتكاملة لا يشكل أي مشكلة أمنية.
لكن بعد شهر واحد فقط، سمح البنتاغون باستمرار عمليات التسليم ريثما يبحث عن مصدر آخر للمغناطيسات، وأفاد المصدر بأن بعض جوانب هذه الإمدادات، بغض النظر عن مصدرها، تخضع لسيطرة بكين على سلسلة التوريد.
ومع اشتراط الصين الآن أن يحصل مصدرو المعادن النادرة أولاً على إذن صريح من الحكومة قبل إرسال هذه المواد إلى الولايات المتحدة، فقد تشهد شركات الدفاع الأمريكية ارتفاعاً حاداً في الأسعار قريباً، بحسب خبراء الصناعة.
ـ الأمن القومي في خطر: ويؤكد خبراء الصناعة والدفاع في الولايات المتحدة أن قرار الصين بالرد على الزيادة الحادة في التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب من خلال فرض قيود على صادرات مجموعة واسعة من المعادن والمغناطيسات الحيوية، هو بمنزلة طلقة تحذيرية باتجاه «الأمن القومي الأمريكي».
وبصفته مؤشراً على مدى خطورة الإجراء الصيني، فقد أعلن البنتاغون أنه سيطلب تراخيص تصدير خاصة لستة معادن أرضية نادرة ثقيلة، والتي تتم معالجتها بالكامل في الصين، فضلاً عن مغناطيسات نادرة، يتم إنتاج 90% منها في الصين، وهو ما يُذكر بطريقة صادمة، أن شريحة واسعة من الأسلحة الأمريكية تعتمد على الصين.
وتؤكد جراسيلين باسكاران مديرة برنامج أمن المعادن الحرجة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن «هذا القرار له عواقب وخيمة للغاية على الأمن القوم الأمريكي». ويرى مسؤول في سلاح الجو الأمريكي، أن الصين ببدئها في «التحذير المسبق» الذي يهدف إلى تحديد حجم الضرر الذي قد تسببه لواشنطن رداً على الرسوم الجمركية، قد تركت لنفسها مجالاً واسعاً للتصعيد، كما يمكنها تجاوز قيود الترخيص عن طريق فرض رسوم جمركية أو حصص، أو حتى حظر شامل.
والعناصر الأرضية النادرة هي مجموعة من 17 عنصراً، تشمل النيوديميوم والإيتريوم والسكانديوم والديسبروسيوم، ويصعب فصلها إلى أشكال صالحة للاستخدام، حيث إنها في الواقع ليست نادرة، لكن قد يصعب استخراجها، فضلاً عن الصعوبات الضخمة في تنقيتها إلى مكونات صالحة للاستخدام.
ـ واقعة الحرب العالمية الثانية: وهناك سابقة تاريخية في سعي الولايات المتحدة إلى إيجاد بدائل للعناصر والمعادن الأساسية خلال الحرب، ففي الحرب العالمية الثانية، أغرقت الغواصات الألمانية العديد من سفن الشحن التابعة للحلفاء والتي كانت تحمل البوكسيت من سورينام، ويقول المحلل العسكري سيث جونز: «كنا سنخسر الحرب على الأرجح لو لم نحصل على مصادر بديلة للبوكسيت».
واتجهت الولايات المتحدة إلى ولاية أركنساس وقامت ببناء مخزون كبير من البوكسيت، المستخدم في بناء الطائرات، من المناجم الموجودة هناك.
ـ ريادة سابقة: حتى ثمانينات القرن الماضي، كانت الولايات المتحدة رائدة في إنتاج المعادن الأرضية النادرة، من خلال منجم ماونتن باس في كاليفورنيا، لكن بحلول عام ٢٠٠٢، تم إغلاقه مع هيمنة الصين على السوق، لكن عادت شركة مملوكة لهذا المنجم إلى العمل، لكنها لا تضاهي الإنتاج الصيني، وفقاً لخبراء الصناعة.
ودعت جمعية صناعات الفضاء الجوي، التي تمثل شركات المقاولات الدفاعية، الولايات المتحدة قبل عامين إلى تعزيز سلسلة إمدادات المعادن الخاصة بها. وقال إريك فانينج، رئيس المنظمة، في ذلك الوقت: «إن القيادة العالمية للولايات المتحدة في مجال الفضاء والدفاع تعتمد على سلسلة توريد آمنة ومرنة، وخاصة بالنسبة للمعادن الحيوية المستخدمة في إنتاج تكنولوجيا الطائرات المتطورة».
ـ إجراءات صينية استراتيجية: سبق للصين أن استعرضت نفوذها على سلسلة توريد المعادن النادرة، ففي عام ٢٠١٠ أوقفت تجارتها مع اليابان عقب احتجازها قبطان سفينة صيد صينية، ولفتت هذه الخطوة انتباه الولايات المتحدة إلى التهديد الذي تُشكله سيطرة الصين على سلسلة توريد المعادن.
وفي عام 2017، خلال فترة ولايته الأولى، وقع ترامب أمراً تنفيذياً يهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي الأمريكي، وتبعه جو بايدن، حيث خصص المزيد من الأموال لمرافق استخراج وتكرير المعادن النادرة.
ويواصل البنتاغون تعزيز مخزونه منذ حادثة عام ٢٠١٠ التي شملت اليابان، وصرح دان بلومنثال، الزميل البارز في معهد أمريكان إنتربرايز، قائلاً: «لدينا مخزون أكبر مما كان عليه قبل ١٥ عاماً». لكنه أضاف أن «هذا المخزون لن يدوم طويلاً». وأضاف أن شركات الدفاع الأمريكية «يجب أن تشعر بقلق بالغ».
ـ ما هي العناصر الأرضية النادرة؟: هناك 17 نوعاً من المعادن النادرة، وتُعدّ أساسية لصناعات مثل التكنولوجيا والطاقة والنقل، وتحمل أسماء مثل التربيوم والبراسيوديميوم والديسبروسيوم، ويمكن تصنيفها إلى نوعين: ثقيلة وخفيفة.
وتتعدد استخدامات المعادن النادرة: مثل رقائق أشباه الموصلات، ومحركات المركبات الكهربائية، والطائرات المقاتلة والصواريخ الموجهة التي يستخدمها الجيش الأمريكي؛ وطواحين الهواء، ومصابيح LED الموجودة في ملايين المنازل، وغيرها.
وتتميز العديد منها بخصائص كيميائية تجعلها مقاومة للحرارة، ما يُمكّن من استخدامها في صناعة مغناطيسات عالية الجودة، وزجاج، ومصابيح، وبطاريات. وتُعد المغناطيسات المصنوعة منها أقوى بكثير وأكثر قيمة من الأنواع الأخرى، وخاصة في إنتاج السيارات الكهربائية.
وتُستخرج المعادن الأرضية النادرة من رواسب الصخور في قشرة الأرض. وتسيطر الصين، التي تستحوذ على ما يقرب من 70% من السوق، على تصدير هذه المعادن وأسعارها المباعة عالمياً. ويُنتج حوالي 90% من مغناطيسات المعادن الأرضية النادرة في الصين، كما يُستخرج 99.9% من الديسبروسيوم المستخدم في صناعة الرقائق الإلكترونية، في الصين.