ضربة مزدوجة.. إستراتيجية أمريكية جديدة نحو حظر الإخوان

ضربة مزدوجة.. إستراتيجية أمريكية جديدة نحو حظر الإخوان

يشهد النقاش حول حظر الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة زخمًا متصاعدًا، مع تباين الرؤى بين الطرح القانوني والتحليل السياسي. فبينما يرى خبراء أن الحظر الشامل يواجه تحديات قضائية، يبرز اتجاه آخر يدعو إلى نهج انتقائي يركز على الفروع الأكثر تورطًا في العنف والإرهاب.

ضربة مزدوجة.. إستراتيجية أمريكية جديدة نحو حظر الإخوان

في هذا السياق، سلط تقرير جيروزاليم ستراتيجيك تريبيون الضوء على مقترح الضربة المزدوجة التي تجمع بين التصنيف كمنظمة إرهابية وفرض عقوبات مالية. هذا الطرح يعكس تحوّلًا في التفكير الأمريكي من شعار الحظر الرمزي إلى استراتيجية عملية أكثر دقة وفاعلية.

 

خلفيات قانونية دقيقة

 

أوضح رئيس تحرير جيروزاليم ستراتيجيك تريبيون، روبرت سيلفرمان، في تقرير نشره الثلاثاء 19 أغسطس 2025، أن محاولة حظر الإخوان المسلمين بشكل شامل قد تفتقر إلى الأساس القانوني الكافي، نظرًا لغياب أدلة دامغة ضد جميع فروع الجماعة. وأكد أن القضاء الأمريكي قد يطعن في أي قرار إذا لم يستند إلى براهين واضحة عن ارتباط الجماعة مباشرة بالعنف.

 

ويفتح هذا التحليل الباب أمام التفكير في بدائل عملية، أبرزها النهج الانتقائي الذي يستهدف الفروع المعروفة بدعمها للتنظيمات المسلحة مثل فرعي مصر والسودان. ومن شأن ذلك أن يحمي القرارات الأمريكية من الإبطال القضائي، ويعزز شرعية الحملة ضد الجماعة أمام الرأي العام الدولي.

 

الضربة المزدوجة

 

دعا سيلفرمان إلى تطبيق استراتيجية الضربة المزدوجة ، والتي تجمع بين تصنيف بعض فروع الإخوان المسلمين كمنظمات إرهابية، وتفعيل أدوات وزارة الخزانة لفرض عقوبات مالية وتجميد الأصول. هذا الأسلوب يوازي الإجراءات التي اتخذتها واشنطن ضد تنظيم القاعدة بعد هجمات 11 سبتمبر.

 

ويرى محللون أن هذه المقاربة تحقق توازنًا بين الفعالية العملية والمرونة القانونية. فهي لا تمنح الجماعة فرصة للتظاهر بأنها ضحية استهداف سياسي شامل، كما أنها تقلّص من قدرتها على الالتفاف عبر جمعيات واجهات تعمل بشكل قانوني داخل الأراضي الأمريكية.

 

بين السياسة والتاريخ

 

أشار التقرير إلى أن الإخوان المسلمين منذ تأسيسهم عام 1928 جمعوا بين النشاط السياسي والدعم غير المباشر للتنظيمات المسلحة. هذه الطبيعة المزدوجة تجعل من الصعب على الحكومات الغربية حسم قرار نهائي تجاه الجماعة، خصوصًا في ظل خطابها الذي يجمع بين الدعوة الإصلاحية والارتباط بأجندات خارجية.

 

ولكنه لفت إلى أن الحظر الشامل سيضر بالمرونة السياسية الأمريكية، إذ قد تستغل الجماعة هذا القرار لتصوير نفسها كحركة مستهدفة بسبب مواقفها الفكرية، مما يمنحها زخمًا دعائيًا جديدًا في الشرق الأوسط والغرب على حد سواء.

 

تحديات داخلية وخارجية

 

إحدى نقاط القوة في مقترح الضربة المزدوجة أنه يتيح للحكومة الأمريكية العمل على مستويين: داخليًا عبر حماية النظام القانوني من الطعون، وخارجيًا عبر إرسال رسالة قوية إلى الدول التي تستضيف الجماعة أو تتسامح معها. ولكن هذا النهج، كما يشير سيلفرمان يمنح واشنطن مرونة أكبر مقارنة بالمنع الكلي.

 

ونبّه الكاتب إلى أن النهج الانتقائي لا يخلو من صعوبات، إذ يتطلب جمع أدلة ميدانية وتوثيق شامل حول نشاطات الفروع المختلفة للجماعة. كما يحتاج إلى تنسيق دبلوماسي مع الحلفاء الأوروبيين الذين لا يزالون ينقسمون حول كيفية التعامل مع هذه الحركة الممتدة والمتعددة الأوجه.

 

البعد الدبلوماسي الدولي

 

لا يقتصر النقاش على الساحة الأمريكية فقط، بل يمتد إلى علاقات واشنطن مع شركائها. فاعتماد حظر الإخوان المسلمين بشكل شامل قد يسبب توترات مع دول ما تزال تعترف بالجماعة ككيان سياسي شرعي، مثل الأردن والمغرب، وهنا يبرز البعد الاستراتيجي لمقترح الحظر الانتقائي كخيار أقل إثارة للجدل.

 

وبحسب تقرير جيروزاليم ستراتيجيك فإن نجاح الضربة المزدوجة يعتمد على صياغة قانونية دقيقة، مع خطاب سياسي يوضح أن الهدف ليس الإسلام كدين، بل فروع بعينها متورطة في دعم التطرف. هذا الخطاب من شأنه تقليص فرص الجماعة في استثمار القرار أمريكيًا ودوليًا.

 

صياغة استراتيجية دقيقة

 

أوضح تحليل جيروزاليم ستراتيجيك تريبيون أن مستقبل التعامل الأمريكي مع الإخوان المسلمين يتوقف على صياغة استراتيجية دقيقة ومتوازنة. فالحظر الانتقائي مدعومًا بالضربة المزدوجة للعقوبات والتصنيف يحقق أكبر قدر من الفاعلية، مع تقليص المخاطر القانونية والسياسية.

 

إن الولايات المتحدة أمام لحظة مفصلية: إما الانجرار وراء قرارات شمولية رمزية تفتقر للأساس القانوني، أو تبني منهج مدروس يوازن بين حماية الداخل الأمريكي وتعزيز مكانتها كقوة فاعلة في مواجهة التطرف. والخيارات المطروحة اليوم ستحدد طبيعة العلاقة المستقبلية بين واشنطن وهذه الحركة التي أثارت جدلًا منذ قرن تقريبًا.