الحكيم لقمان بن ياعور “جزء 4”

الدكرورى يكتب عن الحكيم لقمان بن ياعور “جزء 4”

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

الحكيم لقمان بن ياعور “جزء 4”

ونكمل الجزء الرابع مع الحكيم لقمان بن ياعور، وقد قال أبو طالب في شعره وكنا قديما لا نقر ظلامةإذا ما ثنوا صعر الخدود نقيمها، وقال عمرو بن حيي التغلبي وكنا إذا الجبار صعر خـده أقمنا له من ميلة فتقوما، وأما عن قوله سبحانه وتعالى “ولا تمش فى الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور” فهو ينهاه عن التبختر في المشية على وجه العظمة والفخر على الناس وكما قال تعالى “ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا” ثم قال “واغضض من صوتك” يعني إذا تكلمت لا تتكلف رفع صوتك فإن أرفع الأصوات وأنكرها صوت الحمير، وقد ثبت في الصحيحين الأمر بالاستعاذة عند سماع صوت الحمير بالليل.

فإنها رأت شيطانا ولهذا نهى عن رفع الصوت حيث لا حاجة إليه ولا سيما عند العطاس فيستحب خفض الصوت وتخمير الوجه كما ثبت به الحديث من صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما رفع الصوت بالأذان وعند الدعاء إلى الفئة للقتال وعند الإهلاك ونحو ذلك فذلك مشروع، وقد قيل كان لقمان من أهل سودان مصر وتحديدا من قرية نوبة حبشي الذين تميزوا بامتلاكهم بشرة سمراء وقدمين مشققتين، بالإضافة إلى شعر مجعد، وقد نال لقمان الكثير من العلم والحكمة على يد نبى الله داود عليه السلام، حتى نال المحبة من الله سبحانه وتعالى الذي وهبه فيضا كبيرا من العلم والحكمة، مما خوّله ليكون حكيما وخليفة لله على الأرض.

وقد عرف بلقمان الحكيم، والسبب في ذلك يعود إلى شدة حنكته ومهارته في حل المنازعات، حيث إنه عمل قاضٍ لبني إسرائيل، ومن القصص التي تدل على حكمته وفطنته الكبيرتين هو أنه عندما جاء سيده يوما بشاة وقال له اذبح هذه الشاة وائتني بأطيب مضغتين فيها، فذبحها لقمان وجاء بكل من اللسان وكذلك القلب، ثم في اليوم التالي قال له سيده اذبح هذه الشاة وائتني بأخبث مضغتين فيها، فآتاه أيضا بكلا من القلب واللسان، فتعجب سيده من ذلك، فما كان من لقمان الحكيم إلا أن قال ليس شيئا أطيب منهما إذا طابا ولا شيئ أخبث منهما إذا خبُثا، وحينها أمر سيده بتحريره لحكمته وذكائه، وبعد تحرره قرر الخروج من مصر والسفر إلى فلسطين.

وقد كان ذلك في فترة بعث نبى الله داود عليه السلام، حيث عمل أجيرا عنده وقد لاحظ النبي داود عليه السلام، حكمة هذا الرجل، فما كان منه إلا أن عينه قاضى على بني إسرائيل، ثم أصبح فيما بعد قاض للقضاة، وكانت من حكم لقمان المأثورة، يا بني، ارج الله رجاء ولا تأمن فيه مكره، وخاف الله تعالى مخافة لا تيأس بها رحمته، ويا بني أكثر من قول رب اغفر لي، فإن لله ساعة لا يرد فيها سائل، يا بني إن العمل لا يستطاع إلا باليقين، ومن يضعف يقينه يضعف عمله، يا بني إذا جاءك الشيطان من قبل الشك والريبة فأغلبه باليقين، وإذا جاءك من قبل السآمة فأغلبه بذكر القبر والقيامة، وإذا جاءك من قبل الرغبة والرهبة فأخبره أن الدنيا مفارقةُ متروكة.

يا بني، اتخذ تقوى الله تجارة، يأتيك الربح من غير بضاعة، يا بني إياك والكذب، فإنه شهي كلحم العصفور، عما قليل يقلى صاحبه، وقد قيل أنه كان أول ما ظهر من حكمته، هو أنه كان مع سيده، فدخل سيده الخلاء فأطال الجلوس، فناداه لقمان ” إن طول الجلوس على الحاجة تنجع منه الكبد، ويورث الباسور، ويصعد الحرارة إلى الرأس، فاقعد هوينا وقم ” فخرج سيده وكتب حكمته على باب الخلاء، وقيل كان سيده يقامر، وكان على بابه نهر جار، فلعب يوما بالنرد على أن من قمر صاحبه شرب الماء الذي في النهر كله أو افتدى منه، فقمر سيد لقمان، فقال له القامر اشرب ما في النهر وإلا فافتد منه، قال فسلني الفداء؟ قال عينيك افقأهما أو جميع ما تملك؟