الدكرورى يكتب عن الرسالة المحمدية وفقهاء الصحابة “جزء 4”
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
الرسالة المحمدية وفقهاء الصحابة “جزء 4”
ونكمل الجزء الرابع مع الرسالة المحمدية وفقهاء الصحابة، فعلى أي حال قال ابن الصلاح “ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم فكذلك، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع، إحسانا للظن بهم، ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر، وكأن الله سبحانه وتعالى، أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة، وجميع ما ذكرنا يقتضي القطع بتعديلهم، ولا يحتاجون مع تعديل الله ورسوله لهم إلى تعديل أحد من الناس، وقد نقل ابن حجر عن الخطيب في الكفاية، أنه لولم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة، والجهاد، ونصرة الإسلام، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء، والأبناء, والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين، القطع بتعديلهم، والاعتقاد بنزاهتهم.
وأنهم كافة أفضل من جميع الخالفين بعدهم والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم، ثم قال هذا مذهب كافة العلماء، ومن يعتمد قوله، وروى بسنده إلى أبي زرعة الرازي قال”إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله محمد فاعلم أنه زنديق، ذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة” وإن الصحابة هم الذين عرفوا من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جعلهم يهرعون إليه ويضعون مقاليدهم بين يديه ينغمسون في فيضه الذي بهر منهم الأبصار وأزال عنهم الأكدار، وصيرهم أهلا لمجالسته ومحادثته ومرافقته ومخالطته.
حتى آثروه على أنفسهم وأموالهم وأزواجهم وأولادهم، وبلغ من محبتهم له وإيثارهم الموت في سبيل دعوته للإسلام أن هان عليهم اقتحام المنية كراهة أن يجدوه في موقف مؤذ أوكربة يغض من قدره، فالصحابة ذاك المصطلح التاريخي الذى يطلق على من آمن بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورآه ومات على ذلك الإيمان، وكذلك فإن الصحبة هي الملازمة والمرافقة والمعاشرة، ولقد رافق الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أغلب فترات حياته بعد الدعوة، وساعد بعضهم على إيصال رسالة الإسلام إلى البشريه كلها، ويعد فقه الصحابة الكرام رضي الله عنهم هو اصدق معبر عن الفقه الاسلامي، حيث يمثل المرحلةَ الاولى في حياة الامة.
وقد اتصف بالرصانة وقرب الاستدلال وقوته, فهو المعبر الاول عن النص الشرعي وكيفية التعامل معه, ومن هذا التعامل مع النص انبثق المنهج الاسلامي بصورته الاولى، فأصبح اللبنة التي بُني عليها علم المتأخرين، ومن اصوله تفرعت الفروع، ولما فتحت الفتوحات وانتشر الصحابة في البلدان، ودخل الناس دين الله افواجا وكثرت المستجدات، فقد احتاج الصحابة للاجتهاد، ومن المؤكد ان ينتج عن هذا الاجتهاد خلاف وتعدد في الاراء، ومن هنا يجد الباحث في كتب الفقه وكتب الاثار التي عُنيت بجمع اقوال الصحابة أقوالا مهجورة لم يجر عليها العمل، واقوالا مرجوحة صح الدليل على خلافها، ومسائل تعددت الاقوال فيها وظهر في بعضها تكافؤ الادلة.
على ان اكثر ما جاء عنهم مما تقدم وصفه من حيث قوة الاستنباط وقربه وصحة الاستدلال، واما عن فقه التابعين، فهو بمنزلة فقه الصحابة من حيث جودته وقربه من الدليل عموما فقد تلقوا عن الصحابة الكرام، واخذوا العلم عنهم مما اورثهم قدرة كبيرة على التعامل مع النص الشرعي وقد جمعوا اطراف الحديث الذي ناسب حجم التغيير الذي المَّ بالأمة ، مما اعانهم على حسن معالجة المستجدات والنوازل، ومن هنا كثرت الاجتهادات وتعددت الاقوال وان كانت من حيث الجملة معتبرة الا انها احتوت على نسبة غير قليلة من الاقوال الشاذة او المخالفة للدليل، ومنها ما تكافأت ادلته واحتاج الى ترجيح، وهنا يكمن ان ننتقل الى موقف المذاهب من هذا الفقه، وكيف تعاملت معه.