زيد بن ثابت الأنصاري ” جزء 5″

الدكرورى يكتب عن زيد بن ثابت الأنصاري ” جزء 5″

بقلم/ محمـــد الدكـــرورى

زيد بن ثابت الأنصاري ” جزء 5″

ونكمل الجزء الخامس مع زيد بن ثابت الأنصاري، إذ أن مدون القرآن الكريم ليس بالإنسان العادي بل هو إنسان ذو ميزات غير عادية، لهذا اختار الرسول صلى الله عليه وسلم، زيدا لهذا الأمر، ومما يدل على تفوق هذا الصحاب والجليل ونبوغه تعلمه لغة اليهود في أربعة عشر يوما، وتعلمه للغة السريانية في سبعة عشر يوما، حيث تعلم هاتان اللغتان بناء على أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه كان محتاجا إلى من يفهم هاتان اللغتان لأغراض كتابة الرسائل والمراسلات، ولم يكن يثق باليهود ليؤدوا له هذه المهمة، لهذا تعلم زيد هذه اللغات، ولقد اشتهر زيد بن ثابت رضى الله عنه في المدينة المنورة وفي مجتمع الصحابة بعلمه وفضله، لهذا فقد وكله الصديق بجمع القرآن الكريم في كتاب واحد.

وهذه من أخطر المهمات التي توالاها هذا الصحابي الجليل وهي مهمة ليست بالهينة نهائيا تتطلب دقة بالغة جدا ولقد كان رضي الله عنه قادرا على حمل هذه الامانة الثقيلة فأداها أحسن تأدية، أما في عهد عثمان بن عفان ونظرا لدخول غير العرب في الإسلام، فقرر هذا الخليفة الراشدي ان يوحد المصحف الشريف، فأمر الصحابي سعيد بن العاص ان يمل على زيد، وزيد يكتب ما يسمعه، إذ أن الصحابي سعيد بن العاص رضي الله عنه كانت لهجته قريبة جدا من لهجة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولقد كان منذ بدأ الدعوة وخلال إحدى وعشرين سنة تقريبا كان الوحي يتنزل، ورسول الله صلى الله عليه و سلم يتلو، وكان هناك ثلة مباركة تحفظ ما تستطيع، والبعض الآخر ممن يجيدون الكتابة.

فيحتفظون بالآيات مسطورة، وكان منهم علي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وزيد بن ثابت، وقد قرأ زيد بن ثابت رضى الله عنه، على رسول الله صلى الله عليه و سلم في العام الذي توفي فيه مرتين، وإنما سميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت لأنه كتبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأها عليه، وقد شهد العرضة الأخيرة، وكان يُقرئ الناس بها حتى مات، وكان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد شُغل المسلمون بحروب الردة، وفي معركة اليمامة كان عدد الشهداء من حفظة القرآن كبيرا، فما أن هدأت نار الفتنة حتى فزع عمر بن الخطاب إلى الخليفة أبي بكر الصديق راغبا في أن يجمع القرآن الكريم قبل أن يدرك الموت.

والشهادة بقية القراء والحفاظ، واستخار الخليفة ربه، وشاور صحبه ثم دعا زيد بن ثابت وقال له ” إنك شاب عاقل لا نتهمك قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه ” فقلت كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال هو والله خير، وقال زيد بن ثابت، فلم يزل أبو بكر يراجعني، حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، وقد نهض زيد بن ثابت بالمهمة وأبلى بلاء عظيما فيها، فكان يقابل ويعارض ويتحرى مكانه، وقال زيد بن ثابت كلمته المشهورة في جمع القرآن قال ” والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه لكان أهون علي مما أمروني به من جمع القرآن ” وكما قال رضى الله عنه ” فكنت أتبع القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعُسب وصدور الرجال”

وأنجز المهمة وجمع القرآن الكريم في أكثر من مصحف، وفي خلافة الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضى الله عنه، كان الإسلام يستقبل كل يوم أناسا جددا عليه، فأصبح جليا ما يمكن أن يفضي إليه تعدد المصاحف من خطر حين بدأت الألسنة تختلف على القرآن الكريم حتى بين الصحابة الأقدمين الأولين، فقرر عثمان بن عفان والصحابة وعلى رأسهم حذيفة بن اليمان ضرورة توحيد المصحف، فقال عثمان رضى الله عنه، مَن أكتب الناس؟ فقالوا له كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم، زيد بن ثابت، فقال، فأي الناس أعرب؟ فقالوا له، سعيد بن العاص، وكان سعيد بن العاص أشبه لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عثمان رضى الله عنه، فليُمل سعيد وليكتب زيد.